شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

العراق.. التحالف الصدري- الشيوعي! - بقلم: لاهاي عبد الحسين





التيار الصدري وليس الأحزاب المدنية المتحالفة معه يواجه تحدياً لإثبات مصداقيته لتحقيق التغيير والإصلاح ولن يتحقق بدون مواجهة صريحة لخوض المعركة والأهم والتي تتمثل في الإقدام على تحقيق الإصلاح الديني

انهارت بأسرع مما كان متوقعاً لها تحالفات سياسية حزبية أخذت مكان الإعلان عنها والاحتفال بها في فنادق بغداد الفارهة وقاعاتها الواسعة لغرض خوض الانتخابات النيابية المقبلة في العراق. تحالفات اختلط فيها طلاب السلطة ومريدوها والقليل من الساعين بنزاهة إليها. هذا ما يحدث عندما لا تكون التحالفات أكثـر من تحالفات انتخابية تنسيقية لغرض الوصول إلى السلطة تماماً كما اقترح قانون الأحزاب الذي يسمح لأيّ "جماعة من الأشخاص تشكيل حزب سياسي تحت أي مسمّى"، خالٍ من الضوابط والمقيدات ذات الصلة بالمرجعية الفكرية والتاريخ والعمر السياسي والنضال الوطني إلى جانب وجود جهات حيادية مستقلة تراقب مستوى الأداء وتفصل في أهلية الحزب أو التنظيم السياسي المزعوم لخوض انتخابات نيابية عامة.

يمكن للأحزاب الوليدة أنْ تتشكل إنّما برؤية وتصور وجهد فكري واضح المعالم وليس مجرد بيانات وشعارات تطبخ على عجل. تتالت التحالفات لتظهر بألوان مزركشة وتسميات سهلة على الحفظ والتذكر كما في "النصر" و"الفتح" و"تقدم" و"تمدن"، وأخيراً وليس آخراً، "سائرون"، إلخ. ولعل من ضمن هذه التحالفات الذي أثار زوبعة من التساؤلات والانتقادات والتعبيرات الساخرة والمستهزئة والمخلصة والمحذرة على السواء فور الإعلان عنه هذا التحالف الأخير المسمّى "سائرون نحو الإصلاح". يتكون التحالف الوليد بصورة رئيسة من حزب "الاستقامة" المدعوم من قبل التيار الصدري وخمسة من الأحزاب التي قدمت نفسها بكونها أحزاباً مدنية لعل من أبرزها، الحزب الشيوعي العراقي. بالحقيقة فغر البعض فاهه تجاه هذا التحالف الأخير متمتماً "يا سبحان الله!"، تعبيراً عن التعجب لاجتماع النقيضين من حيث الحزب الذي يعمل بمرجعية دينية إلهية مذهبية محددة ومعروفة تمثلت بـ "الاستقامة" ومرجعية فكرية مادية وضعية واقعية تمثلت بـ "الشيوعي العراقي" إلى جانب أحزاب أو كيانات وصفت بالمدنية.

ليس جديداً ولا من من غير المسبوق أنْ يجتمع الديني بالوضعي سياسياً، ولكنّ تحالف الأضداد يشير بوضوح إلى بلوغ مرحلة الخطر نتيجة الاقتراب من حدّ الانهيار الواسع والكبير للعملية السياسية برمتها في العراق. تحالف بحجم الخطورة والقلق الشديدين على مستوى المجتمع العراقي ككل. تحالف تاريخي بالتأكيد، ولكنّه ينطوي على مجازفة عظمى وبخاصة من جانب الحزب الشيوعي العراقي الذي سيصاب بـ "القاضية"، اذا ما فشل في استقطاب الناخبين ولكنّه يكتفي بإيذاء الصدريين. واذا ما أخذنا احتمال أنْ يفوز التحالف المعلن ويصل إلى قبة مجلس النواب، فهل سيواصل الطرفان الحليفان عملهما لخدمة جماهيرهما، أم أنّ علينا توقع مسار مختلف يتباعدان فيه ويتجافيان وقد يفترقان على نحو يذكّر بالكثير من خيبات الأمل والشعور بالتخلي والخذلان! يكمن السبب في هذا الاحتمال الأخير بالطريقة التي يتوقع توزيع الوظائف والمناصب المهمة بين المتحالفين.

فإذا ما اعتمدت الطريقة الكمية بحسب الفوز بعدد الأصوات واضح أنّ حزب الاستقامة يقدم نفسه بكونه الطرف المؤهل للاستحواذ على حصة الأسد ويكتفي بتطمين رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى بوظائف أو عضوية فردية في مجلس النواب كما يستدل على ذلك من مراسيم الاحتفال بالإعلان عن التحالف الجديد الأربعاء الماضية. فقد رأس التحالف الجديد الأستاذ الدكتور حسن العاقولي، الذي يشغل دور الأمين العام لحزب الاستقامة وقام لذلك بإلقاء كلمة التحالف. وكان العاقولي قد جلس في صدر المجلس وعاد لمقعده بعد الانتهاء من إلقاء كلمته متوسطاً الجميع ليجلس السيد سعد عاصم الجنابي، رئيس حزب التجمع الجمهوري على يمينه ويجلس السيد مضر شوكت، رئيس حزب الترقي والإصلاح على يساره. فيما تنحى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الدكتور رائد فهمي، بعيداً مؤكداً النهج الذي أختطه الحزب منذ تأسيسه كونه حزباً ألف التفاني والتضحية والإيثار وعمل ويعمل وفق قاعدة "شمعة تحترق".

على وجه العموم، قد نكون أمام تحالفين رئيسين هما ما يمكن أنْ يسمّى التحالف المحافظ القابض على السلطة أيّاً ما سيكون اسمه وعنوانه ويرأسه السيد رئيس مجلس رئاسة الوزراء الدكتور حيدر العبادي من جهة والذي يستند إلى احتمال الحصول على دعم جمهور واسع من الموظفين والمتقاعدين والمشتغلين في الأجهزة الأمنية. يقابله التحالف المنافس "سائرون" للصدريين والمدنيين، من جهة أخرى والذي يرفع شعار "التغيير والإصلاح".

يذكر أنّ السبب الرئيس لانهيار التحالف السابق "تقدم" حصل بسبب دخول التيار الصدري بحزب "الاستقامة" كواجهة له مما لم توافق عليه بعض الأطراف التي انضمت إلى ذلك التحالف. والحق ما يزال الوقت مبكراً، وما يزال اليقين بأدنى مستوياته بشأن مدى مصداقية تحالف سائرون على الالتزام بما عبّر عنه من تعهدات بشأن التغيير والإصلاح. فقد اختبر التحالف الصدري المدني من قبل بيد أنّه سجّل خيبة أمل كبرى عشية إعلان التيار الصدري موافقته على تشكيلة لجنة الانتخابات التي كرّست التمايز الديني والمذهبي والعرقي المعروف وأخذه حصة فيها من خلال انتداب عضو منه فيها رغم الاتفاق على السعي لتشكيل مفوضية مهنية مستقلة متحررة من المحاصصة الدينية والمذهبية والعرقية لغرض التمهيد لإجراء الانتخابات.

لذلك فإنّ التيار الصدري وليس الأحزاب المدنية المتحالفة معه في "سائرون" هو الذي يواجه تحدياً جدياً لإثبات مصداقيته للعمل على تحقيق هدف التغيير والإصلاح. ولن يتحقق له هذا بدون مواجهة واضحة وصريحة لخوض المعركة الأوسع والأهم والتي تتمثل في الإقدام على تحقيق الإصلاح الديني للتأهل من أجل العمل في مجال السياسة. فالسياسة تعنى بشؤون الحياة الدنيا من خلال برامج محددة وقابلة للتطبيق. معلوم أنّ بعض أهمّ صيغ الإصلاح الديني في العالم حدثت من الداخل وليس من الخارج. ويأتي الإصلاح الديني من مستويات دون العليا من وجهة النظر الدينية لأنّ العليا لا تستطيع الخروج على ما أئتمنت عليه، ولكنّ المراتب الأخرى التي تتمتع بالثقة والدعم والمحبة البالغة قد تستطيع دخول المضمار.

هذا يعني أنّ السيد مقتدى الصدر بشخصيته الكارزمية المؤثرة في وسطه، يمكن أنْ يخرج على نطاق أوسع ليعلن عن تبني خيار الإصلاح الديني من خلال عملية يتعايش فيها الدين مع الدولة إنّما ليس بدون تخليص الدولة من الدين وتمدين الدين. كلاهما يعمل إنّما في مدار لا يتداخل به مع الآخر. العمل بالسياسة لا يتطلب قيماً دينية عُليا مجردة بل يتطلب سياسات وبرامج عمل وقرارات صعبة وأجهزة مختصة وإجراءات فنية ومعالجات دقيقة. ولعلّ التساؤل الذي يهم الجميع: هل يعقل ألا يبصر التيار ما يلحق بقاعدته الجماهيرية التي تتكون من الفقراء والكادحين من حيف وظلم وامتهان دون أنْ يكون قادراً على توفير مستلزمات التغيير المادي الواقعي الملموس لتحسين نوعية حياتهم والنهوض بمدنهم وقراهم والتأسيس لمستقبل شبابهم ونسائهم ورجالهم وشيوخهم وأبنائهم! ويمكن أنْ يضاف إلى هذا سلسلة من القضايا ذات الأهمية الوطنية مثل الموقف من المرأة وحمايتها من ألوان التمييز والإساءة والاضطهاد إلى جانب القضايا الأخرى ذات الأهمية الوطنية مثل قضية إقليم كردستان وحل المشكلات العالقة بين المركز والإقليم بما يضمن تأمين مصالح مواطني الإقليم بكونهم جزءاً لا يتجزأ من بنية المجتمع العراقي الموحّد والقوي.

ليس ضرورياً أنْ يتخلى السيد الصدر عن عمامته السوداء المقدسة، ولكنْ باستطاعته الإعلان عن علمنة الدين واحترام القوانين الوضعية الحديثة التي تقدم حلولاً عملية لمشكلات خطيرة لمعالجة أزمات الحياة الدنيا هنا في أرض الله الواسعة. الشيوعيون معروفون بمرجعيتهم الفكرية ومواقفهم السياسية. فهم الذين طوّروا فكرة المحاصصة الطائفية والعشائرية والعرقية بهدف استهدافها. وهم الذين لزموا الطريق وداوموا على الاحتجاج. وهم الذين يشهد التاريخ السياسي للعراق المعاصر أنّهم لم يتطلعوا لمجد أو يستسلموا لدعة.

وعندما استطاع القليل منهم الوصول إلى عضوية مجلس النواب فقد صاروا بسهولة الحكم والمستشار لحياديتهم ونزاهتهم ودأبهم. يذكر أنّ السيد حميد مجيد موسى، لم يتخلف عن أيّ جلسة من جلسات اجتماعات مجلس النواب عندما كان عضواً فيه. وعندما أستوزر السيد مفيد الجزائري والدكتور رائد فهمي لوزارتي الثقافة والعلوم والتكنولوجيا على التوالي، لم يعرف عنهما أنّهما خدما عائلة أو مقربين في الحزب أو غيره حتى تثاقل وشكا منهما الرفاق والأصدقاء معاً. لم يحدث هذا على مستوى التيار الصدري الذي كشف عن فضائح فساد مالي وإداري تورط بها عناصره والمرشحون من قبله. وظهرت أكثر من قضية أضطرت سماحة السيد مقتدى الصدر إلى التدخل أكثر من مرة للحد منها ومعالجتها على المستويين القيادي والقاعدي. الفرصة التاريخية تقوم الآن وهي بانتظار من يقطف ثمارها ليسهم بالتأسيس لعراق متطور ونظيف من قضايا وتجاوزات لم تعد لتشرّف غالبية مواطنيه بمختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والاجتماعية والثقافية.

لاهاي عبد الحسين

كاتبة وأكاديمية عراقية


كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : العراق.. التحالف الصدري- الشيوعي! - بقلم: لاهاي عبد الحسين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017