شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

قصور جهود مكافحة الإرهاب




الإرهابي يريد من الحكومات الاعتراف بوجوده في الميدان السياسي ويطالب بسلطة لا يمكنه الحصول عليها إلا بالإرهاب فمشكلته هنا ليست أيديولوجية إنما سياسية.

تبدو الجهود المضادة للإرهاب من طرف علم النفس قاصرة، مما يحتم زيادة فاعليتها، ومحاولة إيقاف حلقة العنف التي تقتات من نفسها، كما يرى، ماريو نصر في دراسته باللغة الفرنسية "الإدارة النفسية لمحاربة الإرهاب: كيف يمكن لدولة القانون أن تدير على نحو فاعل معركتها في محاربة الإرهاب". وإذا أمكن قياس نجاح السياسات المعتمدة المضادة للإرهاب من خلال مؤشرات كمية محددة، فإن غياب التعريف الواضح والمقبول دولياً، يجعل الحصيلة مشوهة ونسبية . فمقولة: "إدارة الأزمات الإرهابية" التي يتناولها الباحث، تتمحور حول استراتيجيات محاربة الإرهاب، والغاية المنشودة أن تستطيع "دولة القانون"، هدف العمليات الإرهابية، الحفاظ على مناخ السلم والأمن والاستقرار وصونه، قدر الإمكان.

تقترح الاستراتيجيات المكملة تحليلاً نفسياً "تبادلياً" للأشخاص الإرهابيين، انطلاقاً من نظرة ترى أن الإرهاب هو أولاً وأساساً "حرب نفسية"، ولفاعلية أكثر يتوجب نقل المعركة إلى أرض الإرهابيين أنفسهم ومحاربتهم على الصعيد النفسي.

أهداف الإرهاب ونماذجه

تعريفات عدة للإرهاب، منها الخاص بالأمم المتحدة الذي أورده، كوفي أنان، الأمين العام الأسبق لها عام 2005، وينتهي إلى صعوبة وجود تعريف كوني لهذا المصطلح الغامض، حتى ليغدو هكذا أمراً أو شيئاً "خيالياً". بيد أنه يقترح من عندياته تحديداً له، فيراه في كل شكل من العنف الفيزيقي (المادي) الممنهج، وغالباً ما يكون مدوياً (مشهدياً)، يُستخدم بمثابة أداة من منظمة ناشطة (قومية أو عابرة للقومية)، تُطالب بأهداف سياسية– أيديولوجية، وتهاجم أشخاصاً في وضعية هشة وضعيفة أصلاً، لا يملكون وسائل الدفاع عن أنفسهم (أولاد، نساء، مرضى، معوّقون... إلخ)، أو في وضع ليسوا فيه مقاتلين، أي مواطنين (محكومين و/ أو حاكمين) في دولة قانون قد تخرق التعهدات وسُنن الحرب وقواعدها المعهودة.

وغرض الإرهابيين، بواسطة الرعب الذي تنقله وسائل الإعلام وتغطيه، إحداث صدمة (رضة) نفسية لتخويف المعنيين وكسر إرادة المقاومة والرد، وإشاعة شعور عام من عدم الأمان والهشاشة والشك، وافتقاد اليقين والعجز، مما يُسهل على الإرهابيين شروط فرض أنفسهم في المشهد السياسي. وعليه فإن محاربة الإرهاب تعني "الأفعال المتخذة بطريقة مباشرة ضد الشبكات الإرهابية، وبطريقة غير مباشرة للتأثير وجعل المحيط العالمي والإقليمي عدائياً وقليل الملاءمة للشبكات الإرهابية".

يمتلك الإرهاب تاريخاً كاملاً مدوناً، في حين ثمة نقص فادح في كتابة فصول من تاريخ "محاربة الإرهاب"، ويُشدِّد على "فرادة" كل حدث تاريخي وظروفه الخاصة المحيطة به، ومثله على ذلك، ما قام به الجنرال الفرنسي "ماسو" (Massu) عام 1957 ليخمد حركة التحرير الجزائرية ، من خلال إجراءات "مضادة للثورة" طبقها فعلياً: حرية التصرف (Liberté d’action)، جمع المعلومات الاستخباراتية (Renseignement)، الاستغلال (Exploitation)، وعمل نفسي (action psychologique). وليس مؤكداً أن يؤدي اعتماد الخطوات نفسها إلى النجاح في غير زمان أو مكان.

ثمة قواعد حكمت عمل الإرهاب في القرن التاسع عشر، منها وجود "مدونة شرف" (code d’honneur)، حيث يتوجه الفعل إلى الأعداء المباشرين، ويعتبر المنفذ أن ما يرتكبه "تضحية شخصية وعملاً فائقاً"، وهو يبذل نفسه في سبيل الآخرين. ويتأنى الإرهابيون في استخدام الرعب كاستراتيجية في المعركة، في حين أن الإرهاب المعاصر يستهدف أناساً مجهولين وأبرياء، ويميل بعض المتطرفين الإسلاميين إلى اعتبار هؤلاء الضحايا "شهداء" للقضية سيكافؤون في العالم الآخر.

هذا، ويبحث الإرهابيون بشدة عن التغطية الإعلامية، وكلما اهتم الإعلام بهم زاد الضغط السياسي الذي يسعون له، ومقياس نجاح العمل الإرهابي يتحدد في قدرته على جذب الاهتمام إلى صانعيه وقضيتهم، والآثار النفسية المدمرة التي يأملون أن تحدث عند السكان.

في الحقبة الراهنة ومع تطور وسائل الاتصال، أجاد الإرهاب المعاصر (القومي والديني) استخدام وسائط الاتصال الجديدة لترويج قضيته. فالإنترنت يتحايل على الرقابة، وينقل الرسائل بطريقة مجهولة وسريعة، مع نسبة فاعلية مرتفعة وبكلفة بخسة. ويعرض الإرهابيون أعمالهم ضمن الإطار الذي يرغبون به، من دون انتقاء أو تدقيق أو تعليق من الوسائط التقليدية، ويبثون دعايتهم على نحو يؤثر في الرأي العام ويسهم في تجنيد عناصر جديدة وتمويل عملياتهم. فعلى سبيل المثال: شملت البنية التنظيمية لـ"القاعدة" قبل 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أربع لجان عملياتية، واحدة منها مكلفة بالإعلام والدعاية، يديرها شخص اسمه الحربي "أبو رويتر" (تيمناً بالوكالة الإعلامية الأمريكية الشهيرة).

أساليب مكافحة الإرهاب

تأتي في وسائل مكافحة الإرهاب العملياتية، المعلومات الاستخباراتية، ووضع المكافآت المالية لمن يقدم معلومات تقود إلى اعتقال مدبري الأعمال الإرهابية، كما جرى مع أسامة بن لادن، زعيم "القاعدة"، والقادة الآخرين في التنظيم. ومن ثم الردع ومحاولة الإقناع، كما فعلت المملكة العربية السعودية مع بعض الإسلاميين المتشددين. ومحاولة اختراق التنظيم الإرهابي بعميل استخبارات، ومهاجمة مراكز القيادة والسيطرة بضربات موجهة. واستخدام الوسائل التكنولوجية: التنصت، كاميرات المراقبة، ومن ثم متابعة الإرهابيين المعروفين بالوسائل البشرية والتقنية. وما تجب ملاحظته أن المنظمات الإرهابية تجتهد بدورها في ابتكار أساليب مضادة لإجهاض محاولات القضاء عليها.

وثمة أساليب نفسية تستخدم أيضاً لمحاربة الإرهاب، تضطلع بها الهيئات الحكومية والإعلامية والدينية والفكرية والثقافية، وفاعلون آخرون من "المجتمع المدني"، ومن التشكيلات العسكرية، فعلى سبيل المثال: استحدثت فرقة البوليس الفرنسي المتخصصة في التدخل ومحاربة الإرهاب (RAID) عام 1995 "مجموعة تفاوض" تجيد تقنية إدارة الأزمات والتفاوض، على إلمام بعلم النفس والاتصال، مما يفيد بأنه لا يمكن إهمال العنصر النفسي في محاربة الإرهاب، وضرورة الهجوم النفسي المضاد. ويغدو من الملح بحث الأسباب الدافعة للمنظمات الإرهابية لاعتماد العنف سبيلاً كي تفرض نفسها على المشهد الدولي، ولا سيّما أنها تسعى لصوغ خطاب يعطيها شرعية وتبرر فيه العنف المرتكب، ويشكل الخطاب هذا، عنصراً بنيوياً ومحركاً لها في استخدام العنف ذي الغايات السياسية والمغطى إعلامياً.

صعوبة نزع الصدقية عن زعماء الإرهابيين لأن مناصريهم مهيئون لحملات دعائية وحرب نفسية كهذه ويتوقعون هذا الأمر. والأهم في الحملات المضادة للإرهاب، أن يصدر الرفض له من الجماعة نفسها التي يحصل العمل باسمها، فعلى سبيل المثال: انعقد في العاصمة الأردنية عام 2005، مؤتمر فكري حضره زهاء (200) شخصية إسلامية، وذلك لتأكيد أنه لا يحق لأي فرد، من دون موافقة مبدئية من السلطات الرسمية، إصدار حكم بتكفير أي شخص، ويؤدي إلى تنفيذ حكم القتل فيه.

ماذا يريد الإرهابي؟

في المحصلة، يريد الإرهابي من الحكومات الاعتراف بوجوده في الميدان السياسي، ويطالب بسلطة لا يمكنه الحصول عليها إلا بالإرهاب. إذاً، مشكلته ليست أيديولوجية، ولا تمثل هذه إلا عذراً وحجة، والتصويب على أيديولوجية الإرهابي، من خلال هجوم نفساني مضاد يؤدي إلى إصابة العذر، وهو شيء معتبر، لكنه ليس الدافع الحقيقي للإرهاب، والذي هو وقبل كل شيء ذو طبيعة "علائقية" (relationnel). كان غرض دراسة نصر، التركيز على الموارد البشرية للجماعات الإرهابية، فمن دون أيديولوجيا سياسية تكون المنظمة ممارسة للجريمة ولا تُعد إرهابية. لكن، من دون العامل الإنساني والناشطين، لا يكون هناك منظمة ولا إرهابيون. فالهدف إذاً -بحسب الباحث- جعل محاربة الإرهاب أكثر فاعلية من خلال هجوم نفساني مضاد يستندإلى تحليل "تبادلي" (A. T) لأعضاء هذه المنظمات.

------------------------

خلاصة بحث عثمان 'الإدارة النفسية لمحاربة الإرهاب'، ضمن الكتاب 125 (مايو/أيار2017) 'دعلم نفس الإرهاب الأفراد والجماعات الإرهابية' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

كاتب الموضوع

alnafisa alzaher

0 تعليق على موضوع : قصور جهود مكافحة الإرهاب

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017