تنتشر- أحياناً وربما كثيراً- ترجمات عربية مضللة لكلمة أو مصطلح أو عبارة في اللغة الإنجليزية، في الثقافة العربية وترسخ، فتهيمن على التفكير والرؤية والموقف عندما يتعلق الموضوع ذو العلاقة بها.
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: Separation of religion from the state، التي ضللت المثقفين العرب بترجمتها بفصل الدين عن الدولة، وجعلت الإسلاميين والإسلامويين يشنون أبشع هجوم على العَلْمانية بها، ويعلنون أن معركتهم الأخيرة الفاصلة هي مع العلمانية الكافرة والملحدة التي تسعى لفصل الدين عن الدولة، مع أن المعنى الأصلي للعبارة هو : فصل الدين عن السياسة كما في قولهم وزير الخارجية ترجمة لعبارة Minister of State ، لأنه يستحيل نظرياً وعملياً فصل الدين عن الدولة إلا عند من لا يعرفون معنى الدولة ومعنى الدين ولا يميزون بينها وبين الحكومة. إن للكلمة الإنجليزية (State) أربعة وعشرين معنى أو استعمالاً في قاموس وبستر الموسوعي، أحدها يعني: سياسة الحكومة وعملياتها المستقلة عن الكنيسة.
ومع هذا يُصر الإسلاميون والإسلامويون على هذه الترجمة لأنها تشكل عندهم ذخيرة حية لإطلاق النار على العَلْمانية، التي هي الحامية العظمى للحرية الدينية التي يتمتعون بها في البلدان العَلْمانية في أوروبا وأميركا.
نرجو أن لا يؤدي تحديهم لتلك البلدان بالدين أو بالأصولية الدينية الإسلامية إلى رد فعل مضاد وهو مواجهتهم بالدين أو بالأصولية المسيحية. فعند ذلك، أو بعد ذلك ستنشأ الحرب الدينية من جديد، وقد تنتهي بطردهم من تلك البلدان كما طُرد أجدادهم من الأندلس بالحرب نفسها.
ومن ذلك أيضاً عبارة : Spirit drinks التي تُرجمت بالمشروبات الروحية، مع أن المقصود بها هنا هو المشروبات الكحولية وليس الروحية. يبدو أن أول من ترجمها فتح القاموس لمعرفة معناها فكانت الروح أول من أطل عليه من معانيها، مع أنه لو أكمل المطالعة لوجد أنها تعني الكحول أيضاً فالمعنى يعتمد على السياق.
ومنه كذلك مصطلح: The American Administration الذي تُرجم بالإدارة الأميركية، مع أن المقصود به هو الحكومة الأميركية كما يؤكد أحد أقوى المترجمين.
ومنه عبارة: Extra – curricular activities الذي ترجم بـ: النشاطات اللامنهجية، مع أن المعنى واضح وهو النشاطات المنهجية الإضافية.
لقد أدت هذه الترجمة المضللة إلى ترتيب أفكار ومواقف ونشاطات لا علاقة لها بالمناهج، أي أنه بدلاً من تعزيز المنهاج (الصفي) بنشاطات منهجية إضافية خارج الصف، لم تعززه بها.
أكتفي بهذه الأمثلة لأقول ما يعرفه الجميع: إن اللغة كائن حي في المجتمع الحي، ومن ثم فإنها تنمو وتتجدد وتتطور عاكسة حيويته وإبداعاته وإبتكاراته. وبما أن مجتمعاتنا العربية عقيمة – نسبياً – فإنها لا تضيف إليها، فيعاني المترجمون الجادون كثيراً لأنهم لا يجدون في لغتهم ما يسعفهم بالمقابل الدقيق اللغوي للكلمات والمصطلحات والعبارات الجديدة في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية.. ما يجعلهم ينحتون مقابلاً لها أو يستخدمون الكلمة أو المصطلح أو العبارة الأجنبية كما هي مع تطويعها لقواعد اللغة العربية مثل كلمة: تلفزيون أو راديو.. التي يمكن أن تثنى وتُجمع، وتسيطر على السوق أو الثقافة قبل قيام المجامع اللغوية بتدبير لغوي مقابل.
كما تأتي المشكلة من المترجمين الضعاف في اللغتين الذين لا يدرسون تاريخ الكلمة أو المصطلح أو العبارة فيترجمونها بحسب الظاهر. وللأسف يبدو أن ترجماتهم المضللة هي التي تسود وتهيمن على الخطاب كما رأينا في الكلمات والمصطلحات السابقة.
أدعو بقوة الجامعات المحترمة إلى جعل موضوع هذه الترجمة المضلِّلة مشروعاً لبحثٍ لنيل ماجستير أو دكتوراه، فلعلّ ذلك يؤدي إلى نبذها وتثبيت الصحيح منها
0 تعليق على موضوع : ترجمات مضللة ,,, بقلم : حسني عايش
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات