منذ توليه حكم مصر، وفى أكثر من مناسبة، أعربَ الرئيس عبدالفتاح السيسى عن رغبته فى «إعادة بناء المواطن المصرى» على نهج عصرى يتواكب مع الطفرات الاقتصادية والتنموية التى تحدث بالوطن فى ملفات الصحة والتعليم وتطوير البنية التحتية ومكافحة التطرف والمشروعات القومية التى توفر فرص عمل للشباب وتكافح غول البطالة.
ولا شك أن ما يحدث الآن فى مصر من تغيير إيجابى سوف يُسهم، على المدى البعيد، فى خلق أجيال جديدة ناضجة وفاعلة حتى نصل إلى الشخصية الوازنة التى تستحق حمل اسم مصر العريق. فإن كانت الدولةُ تقوم بدورها فى «بناء الوطن الجديد»، فإن علينا نحن المواطنين دورًا مهمًّا فى «بناء المواطن الجديد» الذى يليق بهذا الوطن.
هنا نستحضرُ شخصية المواطن اليابانى، ونتأملُ لماذا دائمًا ننظرُ إليه بعين الإعجاب والاحترام، ولماذا نطلق على وطنه: «كوكب اليابان»؟، ليس فقط لأنه الأكثر تطورًا فى البرمجيات والتكنولوجيا والصناعات الدقيقة على مستوى العالم، ولا لأنه الأكثر نظامًا فى شوارعه ومبانيه وأروقته، وليس فقط لأن أبناءه هم الأكثر انضباطًا فى المواعيد والأكثر تقديسًا للعمل والأوغل إتقانًا له، وليس وحسب لأنهم الشعب الأكثر احترامًا للعقل والأشرق ابتسامًا فى الوجه، وليس لأن قنبلتين أمريكيتين ذريتين قصفتا جبينه، أعقبهما احتلالٌ أمريكى رذيل، لم يتحرر منه اليابان إلا عام ١٩٥٢، ليخرج من القصف والاحتلال أقوى وأصلب وأشد إصرارًا على النهوض، ليس قفزًا ولا وثبًا، بل طيران صاروخى، ليغدو القوة الاقتصادية والصناعية الأولى فى العالم.. ليس فقط لكل ما سبق من معجزات نسميه «كوكب اليابان»، بل يكمن السرُّ فى كلمة واحدة هى: «الأخلاق».
هذا شعبٌ يتعلم الأخلاق فى طفولته قبل تعلّم المشى والكلام والقراءة والكتابة. الأخلاق هى متلازمة الحضارة والتحضُّر والرقى والمجتمع السوىّ. الأخلاق هى فنُّ مراقبة الآخر. ليست «مراقبة الآخر» كما نفعل عندنا، أن نقتحم خصوصياته، فننتقد ما يلبس، وندس أنوفنا فى حياته الشخصية، وكم ورث عن أبيه، وكم أنفق فى السفر، وكم مرة حج وصلى وصام!.. «مراقبة الآخر» تعنى فى الأدبيات اليابانية: العمل على راحة «الآخر»، والاجتهاد فى تكريس شعوره بالأمن والراحة.
يقول أحدُ اليابانيين: أعظم ما فى بلادى هو «الوعى بالآخر». فى اليابان، يتصرفُ الناسُ وهم يحملون «الآخرين» فى عقولهم، بدلًا من التفكير فقط فى أنفسهم. فى اليابان بوسعك النوم فى مترو مزدحم، لأن الآخرين هادئون لا يثرثرون بصوت عالٍ. فى اليابان تستطيع أن تستمتع بالشوارع النظيفة، لأن الناس لن يلقوا بمخلفاتهم فى الطرقات. فى اليابان بوسعك أن تشعر بأنك «مَلك»؛ لأن الناس سيقدمون لك الخدمات مع ابتسامة وانحناءة تبجيل. ثقافة «الاحترام» تخلق حالًا مدهشة من أجواء الأمان من حولك، تلك التى تؤدى إلى معجزات اليوم الحديثة. فى مقهى مزدحم فى اليابان، بوسعك أن تترك هاتفك أو حاسوبك على الطاولة، ولن تجد من يسرقه.
بوسعك أن تترك دراجتك بالخارج دون جنزير يشدّ وثاقها، وسوف تجدها فى ذات المكان حين تعود إليها. فقط فى اليابان سترى موتوسيكلات واقفة على الرصيف، والموتور دائر جاهز للسير، ولا أحد يفكر فى أن يستغل الفرصة. حينما تُنشئ مجتمعًا يفكر فيه الناس بالآخرين، ستكون الحياة أفضل «لكل» الناس. إنه الدرس الذى يجب على كل العالم أن يتعلموه من اليابان: «احترام الآخر».
«احترام الآخر» هو سر معجزة اليابان التى نتمنى أن تغدو سرَّ معجزة مصرَ الجديدة. أن يحرص المواطن على راحة وسلامة ورفاهية «الآخر». أن يعرفَ المواطن حق الآخر ويقدمه قبل أن يطالب بحقه الخاص. وذاك قمة الذكاء. لأنك حين تقدمُ واجبَك تجاه الآخرين، فإنك تضمن «حقَّك» الشخصى، الذى يقدمه لك الآخر كواجب. «الحقُّ» و«الواجب» معًا يغدوان: «واحدًا صحيحًا» لا تنفصمُ عُراه، وليسا فعلين منفصلين: يتمّان معًا أو يختلفان فيفترقان. الحضارةُ هى الأخلاق، واحترام الآخر.
«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يعيدُ بناء شخصية الوطن».
twitter:@fatimaNaoot
هنا نستحضرُ شخصية المواطن اليابانى، ونتأملُ لماذا دائمًا ننظرُ إليه بعين الإعجاب والاحترام، ولماذا نطلق على وطنه: «كوكب اليابان»؟، ليس فقط لأنه الأكثر تطورًا فى البرمجيات والتكنولوجيا والصناعات الدقيقة على مستوى العالم، ولا لأنه الأكثر نظامًا فى شوارعه ومبانيه وأروقته، وليس فقط لأن أبناءه هم الأكثر انضباطًا فى المواعيد والأكثر تقديسًا للعمل والأوغل إتقانًا له، وليس وحسب لأنهم الشعب الأكثر احترامًا للعقل والأشرق ابتسامًا فى الوجه، وليس لأن قنبلتين أمريكيتين ذريتين قصفتا جبينه، أعقبهما احتلالٌ أمريكى رذيل، لم يتحرر منه اليابان إلا عام ١٩٥٢، ليخرج من القصف والاحتلال أقوى وأصلب وأشد إصرارًا على النهوض، ليس قفزًا ولا وثبًا، بل طيران صاروخى، ليغدو القوة الاقتصادية والصناعية الأولى فى العالم.. ليس فقط لكل ما سبق من معجزات نسميه «كوكب اليابان»، بل يكمن السرُّ فى كلمة واحدة هى: «الأخلاق».
هذا شعبٌ يتعلم الأخلاق فى طفولته قبل تعلّم المشى والكلام والقراءة والكتابة. الأخلاق هى متلازمة الحضارة والتحضُّر والرقى والمجتمع السوىّ. الأخلاق هى فنُّ مراقبة الآخر. ليست «مراقبة الآخر» كما نفعل عندنا، أن نقتحم خصوصياته، فننتقد ما يلبس، وندس أنوفنا فى حياته الشخصية، وكم ورث عن أبيه، وكم أنفق فى السفر، وكم مرة حج وصلى وصام!.. «مراقبة الآخر» تعنى فى الأدبيات اليابانية: العمل على راحة «الآخر»، والاجتهاد فى تكريس شعوره بالأمن والراحة.
يقول أحدُ اليابانيين: أعظم ما فى بلادى هو «الوعى بالآخر». فى اليابان، يتصرفُ الناسُ وهم يحملون «الآخرين» فى عقولهم، بدلًا من التفكير فقط فى أنفسهم. فى اليابان بوسعك النوم فى مترو مزدحم، لأن الآخرين هادئون لا يثرثرون بصوت عالٍ. فى اليابان تستطيع أن تستمتع بالشوارع النظيفة، لأن الناس لن يلقوا بمخلفاتهم فى الطرقات. فى اليابان بوسعك أن تشعر بأنك «مَلك»؛ لأن الناس سيقدمون لك الخدمات مع ابتسامة وانحناءة تبجيل. ثقافة «الاحترام» تخلق حالًا مدهشة من أجواء الأمان من حولك، تلك التى تؤدى إلى معجزات اليوم الحديثة. فى مقهى مزدحم فى اليابان، بوسعك أن تترك هاتفك أو حاسوبك على الطاولة، ولن تجد من يسرقه.
بوسعك أن تترك دراجتك بالخارج دون جنزير يشدّ وثاقها، وسوف تجدها فى ذات المكان حين تعود إليها. فقط فى اليابان سترى موتوسيكلات واقفة على الرصيف، والموتور دائر جاهز للسير، ولا أحد يفكر فى أن يستغل الفرصة. حينما تُنشئ مجتمعًا يفكر فيه الناس بالآخرين، ستكون الحياة أفضل «لكل» الناس. إنه الدرس الذى يجب على كل العالم أن يتعلموه من اليابان: «احترام الآخر».
«احترام الآخر» هو سر معجزة اليابان التى نتمنى أن تغدو سرَّ معجزة مصرَ الجديدة. أن يحرص المواطن على راحة وسلامة ورفاهية «الآخر». أن يعرفَ المواطن حق الآخر ويقدمه قبل أن يطالب بحقه الخاص. وذاك قمة الذكاء. لأنك حين تقدمُ واجبَك تجاه الآخرين، فإنك تضمن «حقَّك» الشخصى، الذى يقدمه لك الآخر كواجب. «الحقُّ» و«الواجب» معًا يغدوان: «واحدًا صحيحًا» لا تنفصمُ عُراه، وليسا فعلين منفصلين: يتمّان معًا أو يختلفان فيفترقان. الحضارةُ هى الأخلاق، واحترام الآخر.
«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يعيدُ بناء شخصية الوطن».
twitter:@fatimaNaoot
0 تعليق على موضوع : بنـاءُ الإنسانِ المصرى الجديد
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات