"لا دواء، لا كهرباء، لا محروقات، لا لحوم ولا حتى أجبان"، هذا ما يردده اللبنانيون عن حالهم وعن الواقع المأساوي الذي لحق بـ"سويسرا الشرق" وهي في طريقها لتصبح "هايتي الشرق" بسبب إفلاس وإجرام طبقتها السياسية.
الأزمة اللبنانية ركيزتها نظام مهترئ وفئوي يعيد إنتاج طبقة سياسية إقطاعية مافيوية فاسدة من دون وجود أي آلية فاعلة لمحاسبتها. "حاميها حراميها" كما يقول المثل الشائع في لبنان، والطبقة السياسية التي تتظاهر بالعفة وتتناحر فيما بينها هي نفسها التي كانت في سرير واحد تجمعها صفقات بواخر من جنوب أفريقيا إلى تركيا.
الاهتراء السياسي وصل العمق مع تطاول وزير الطاقة في لبنان ريمون غجر على شعب نهبت أمواله المصارف والدولة، والقول له إنه لن يعد بإمكانه قيادة السيارة إذا لم يكن مليونيرا لأن سعر المحروقات سيقفز خمسة أضعاف عن الرقم الحالي. قالها غجر وهو يبتسم ببذلته الأوروبية وربطة عنق بنفسجية تفوح منها رائحة الفشل والسقوط المهني والأخلاقي. كيف يقدر لوزير أن يعتاش هو وموكب سياراته من أموال شعب يمضي ساعات في طابور محطة البنزين؟
الخميس أيضا، كشفت وكالة رويترز أن المصارف في لبنان "ابتلعت" ما يقارب الـ250 مليون دولار من أموال الأمم المتحدة المخصصة للاجئين والمجتمعات الفقيرة.
الأزمة اللبنانية ركيزتها نظام مهترئ وفئوي يعيد إنتاج طبقة سياسية إقطاعية مافيوية فاسدةيتساءل الكثيرون إذا ما كان وصل لبنان لمرحلة الانهيار. الانهيار بدأ منذ فترة حتى قبل تسلم حسان دياب الحكومة في يناير 2020. الدول الأجنبية بالرغم من مبادرات وجهود تدرك الواقع المأساوي في لبنان وهي تستعد للحظة الانهيار منذ فترة ليس لوقفه، بل لإدارته وتنظيمه بأقصى حد ممكن.
هذه الدول لا تلام. فرغم المبادرات والزيارات من إيمانويل ماكرون الى ديفيد هيل، الفساد المتجذر في عمق الدولة وأربابها أقوى من جهود أي طرف خارجي. فالقيادات التي تنام ليلا فيما 2700 طن من الألومنيوم نيترات يدمر مرفأ بيروت ويمزق أشلاء 154 مدني، لن يفيقها أسعار اللحوم ومستويات الفقر وهجرة الأطباء.
اليوم، واشنطن تمضي باستراتيجية احتواء وإدارة الانهيار في لبنان وليس وقفه. فالاستثمار في الشرق الأوسط عموما ليس أولوية لإدارة بايدن والاستثمار في لبنان خصوصا وفي ظل هذه القيادات هو رهان خاسر. كما أن سفراء ومسؤولين متعاقبين حاولوا ومن دون جدوى إقناع المافيات الحاكمة بإجراء إصلاحات.
التركيز من قبل الكونغرس كما الإدارة هو على مساعدات تبقي المؤسسات الأهم حيوية، وعلى رأسها الجيش، ومن ثم إيجاد وسائل لإبقاء الخدمات الأساسية وإيصال مساعدات للمناطق بدل انتظار المصالحة والمصافحة بين ميشال عون وسعد الحريري ونبيه بري.
الطريق أمام لبنان صعب وخطير محفوف ببطالة تناهز الخمسين في المئة و55 في المئة على خط الفقر. ما من ضمانة بأن الدولة المركزية لن تنهار قبل انتخابات مايو المقبل، وما من ضمانة بأن الانتخابات ستحصل.
المرحلة المقبلة هي مرحلة استمرار شد الحبال والخداع بين أرباب السلطة، مقابل تمزق اجتماعي ومناطقي وإمكانية عودة الاقتتال الداخلي حتى إشعار آخر.




0 تعليق على موضوع : لبنان و"إدارة الانهيار"
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات