شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

العنجهية والغباء


الجهل هو ضعف التعليم وقلة المعرفة بشكل عام، أو انعدام المعرفة بشيء محدد بعينه، ما يعني أن من الممكن أن يعرف الإنسان بعض الأشياء جيداً، ويجهل بعضها الآخر. 

أما العنجهية فهي النظر إلى الآخر نظرة دونية، والتصرف بشكل استعلائي لا يحترم الآخر ولا يعترف بما له من حقوق وكرامة، ولا بما قد يكون لديه من مواهب وقدرات خلاقة. 
وتعكس العنجهية شخصية غير واثقة من نفسها، وغير متأكدة من صواب موقفها، مع الشعور في ذات الوقت بالاستعلاء لأنها تملك ما يكفي من أسباب القوة للحصول على ما تريد. 

أما مصدر تلك القوة فهو إما قوة العنف العسكرية التي لا تعرف غير التهديد والوعيد والدمار، أو قوة المال التي لا تعرف غير الابتزاز والاستغلال. ولما كان المال لا يملك عقلاً والسلاح لا يملك ضميراً، فقد أصبح العنجهي إنساناً غبياً يتصرف في غياب العقل والضمير. من ناحية أخرى، إن ضعف علم العنجهي يدفعه إلى عدم الثقة بمن يتعامل معهم من الناس، لأنه يتخيل أنهم يعرفون حقيقة ما يعانيه من نقص وجهل، ما يجعل العلاقة بين الطرفين تقوم على الشك والريبة.

تنتشر العنجهية بين الشعوب التي حصلت على ثروات مادية كثيرة من دون أن تبذل جهداً يذكر في سبيل الاستحواذ على تلك الثروات، لأنها كانت كنوزا مخبأة في باطن الأرض كالذهب والبترول والغاز الطبيعي، وغيرها من مصادر طاقة ومعادن نفيسة. ولما كانت القلة دوماً تستحوذ على معظم الثروة في كل مجتمع، فإن العنجهية تتركز بين أصحاب رؤوس الأموال الذين لم يحصلوا على قدر وافر من العلم والمعرفة، وبين حكام وجدوا تحت تصرفهم أموال يصعب حصرها.

 ومن الدول التي تشيع العنجهية فيها الدول المصدرة للنفط عامة، لأن تلك الدول حصلت على ثروات كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة من دون أن تبذل جهدا يذكر، فيما كانت شعوبها تتصف بالجهل بسبب اخفاض مستويات التعليم. وهذا يعني أن ذلك النوع من العنجهية يقوم على الجهل وقوة المال معا؛ وهو جهل يفتقد أخلاقيات العلم، ومال لا يعرف دوره في تحقيق تقدم الشعوب وخدمة القضايا الإنسانية.
 
من ناحية ثانية، تنتشر العنجهية في المجتمع الأمريكي بين أصحاب المناصب العليا في الدولة والجيش وأجهزة المخابرات، وبين رجال السياسة والإعلام والمال؛ كما تنتشر أيضا بين البسطاء الذين ينحدرون من أصول أوروبية ويتصفون بقلة العلم وضعف المعرفة بالتاريخ وثقافات الغير، ما يجعلهم يعتقدون أن من ينحدر من أصول إفريقية وآسيوية ولاتينية، ومن ينتمي لديانة غير المسيحية واليهودية يقل ذكاء وإنسانية عنهم. ويعود سبب استثناء اليهودية من التفرقة إلى أن المسيحية جاءت امتدادا لليهودية وأن إيمان المسيحي لا يكتمل إلا بالإيمان بالإنجيل وكتب اليهود المقدسة. 

وفيما يملك أصحاب المناصب العليا عادة قدراً كبيراً من العلم إلى جانب قوة السلاح والإعلام وتاريخ حافل بالعنف والكذب والخداع، يملك البسطاء قوة العنصرية وتاريخ أمريكي حافل بالتفرقة ضد الآخر وقتل الملايين من أبناء البلاد الأصليين واستعباد الملايين من السود. من ناحية أخرى، ليس لدى معظم هؤلاء الناس معرفة بثقافات الشعوب المختلفة وتاريخها وكيفية التعامل معها بأساليب سلمية حضارية.
 
حين يشعر العنجهي الأمريكي الذي يملك قوة السلاح أن من الصعب عليه أن يحصل على ما يريد بطرق سلمية، فإنه يتجه إلى العنف مُستخدماً ما لديه من سلاح، يقتل ويدمر ويكذب ويزيف الحقائق وينام مرتاح الضمير، لأنه لا يشعر أن من يقتلهم بشر مثله يستحقون أن يعيشوا حياتهم أحراراً. أما العنجهي البسيط فيلجأ عادة إلى الكراهية والتفرقة ضد من ينحدر من أصول غير أوروبية خاصة إذا شعر بأن الغريب هذا يتفوق عليه ذكاء أو معرفة أو حكمة أو إنسانية.
 
إن طريقة تعامل أمريكا مع العراق في عهد جورج دبليو بوش تعطي مثالاً جيداً لعنجهية الأمريكي الذي يملك قوة السلاح والعنف والجهل بثقافة غيره من الشعوب، ما جعل العنجهية هذه تقود لنتائج كارثية. إذ فيما استطاع بوش تدمير العراق وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي للشعب العراقي وقتل ملايين العراقيين، خسرت أمريكا مئات البلايين من الدولارات على حرب فاشلة تسببت في قتل آلاف الجنود الأمريكيين وإصابة الكثير منهم بعاهات جسدية وعقلية، وفقدان قدر كبير من المصداقية على الساحة الدولية. وهذا يعني أن العنجهية التي تجمع بين الجهل وقوة السلاح بإمكانها أن تُحوِّل رجل الدولة الذكي وقائد الجيش الشجاع إلى إنسان أهوج يتصرف بغباء يعود على بلاده بنتائح سيئة للغاية.
 
وهذا يعني أن العنجهي يتصف عادة بالغباء، على الرغم مما قد يتمتع به من علم ومال ومكانة أدبية، لأنه يتصرف في غياب العقل والضمير، ومن يتصرف في غياب العقل والضمير يميل بطبعه إلى الخداع واحتقار الغير، لأنه يعتبرهم أقل مكانة وإنسانية منه. وهذا يجعل كل عنجهي إنساناً مريضا لا يُؤتمن على شيء، ولا يجوز أن يتخذه الناس صديقاً، لأنه يبحث دوماً عن ضحايا وليس عن أصدقاء.

 وفيما يشجع الجهل صاحبه على التواضع بسبب عدم قدرته على منافسة الغير ومقارعتهم، تمكن قوة المال والسلاح الجاهل من ابتزاز الغير والاعتداء عليهم ومصادرة حقوقهم. ولما كان المال والسلاح يحتاج لعقل يديره وضمير يوجهه، فإن العقل الجاهل لا يعرف حكمة الدهر ولا يعترف بها، والضمير الغائب لا يعرف الأمانة أو الصدق، ما يجعل العنجهي عدو نفسه وعدو من يتعامل معهم من البشر.
 
إن إدارة بنيامين نتنياهو لدولة الكيان الصهيوني وتصرفاته تجاه الفلسطينيين، وحتى الأوروبيين والأمريكيين يعطي مثالا لعنجهية تقوم على الجمع بين الجهل بثقافة الآخر وقوة السلاح والمال. ولهذا لم يتوقف نتنياهو عن الكذب والفساد والتزوير والخداع واحتقار الآخرين يوما واحدا. وفيما ورث الجهل بثقافة وتاريخ الفلسطيني من أكاذيب الحركة الصهيونية، حصل على المال من يهود العالم وقوة السلاح من أمريكا، ما جعله يستحوذ على كافة متطلبات العنجهية في أكثر صورها سوءا وشراسة، ويستخدمها لتزييف وعي الكثير من يهود العالم والإنجليكيين المسيحيين، وينفرد بحكم دولة الكيان الصهيوني لمدة 12 سنة.

 ومع كل هذه السلطات أصبح مريضا نفسيا يعتقد أنه قادر على فعل أي شيء بدون عواقب، وهذا هو قمة الغباء، ما جعله على وشك خسارة السلطة ودخول السجن بتهمة الفساد.
=============
بروفسور محمد ربيع

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : العنجهية والغباء

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017