شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

لماذا تتضامن الشعوب الغربية معنا؟


يحيل الكثيرون ارتفاع نسبة التفاعل العالمي مع الأحداث الساخنة والتضامن مع بعض القضايا الإنسانية إلى ما وفرته منصات الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس في سهولة تناقل الأخبار وإمكانية التفاعل معها فقط، بل في منح العديد من هذه القضايا فرصتها القدرية للاطلاع على خلفياتها وأسبابها ومعرفة العديد من الحقائق والتفاصيل المتعلقة بها.

وإن كان الأمر صحيح نسبيا، إلا أننا وإلى زمن قريب لم تتوفر أو تتاح فيه مثل هذه الأدوات والتسهيلات، كنا نتابع بالمثل عبر الصحافة الورقية أو التلفزيونية أخبارا للعديد من المظاهرات الشعبية التي تخرج في عدد من العواصم الغربية المؤثرة نصرة لقضية ما وتضامنا مع شعبها، مثل مناهضة حرب قادمة ضد دولة ما، أو الاحتجاج على ممارسات عنفية أو إرهاب دولة ما ضد شعبها، أو المطالبة بمحاسبة الداعمين والمسؤولين عن بعض المظالم المعنية.

مما يؤكد أن يقظة الضمير الإنساني التي تتسم بها العديد من شعوب العالم الغربي ليست بجديدة أو طارئة، وهي يقظة دفعتها دوما للاستجابة لنداء المظلوميات العالمية والقضايا التي لا شكوك تشوب عدالتها والتضامن معها انطلاقا من ثوابت وقيم إنسانية وأخلاقية عليا، لتشكل دوما بممارساتها الديمقراطية واحتجاجاتها السلمية هذه رأيا عاما مناهضا وقوة ضغط يحسب لها ألف حساب، إن لم تترك تأثيرها الفعال والمباشر، يعلم معنيو الحكومات الغربية مدى أثرها اللاحق في تقرير مسار الانتخابات القادمة.

لا تنطلق يقظة ضمير الشعوب الغربية من عنصرية ما، كأن تميز القضايا لأسباب عرقية أو دينية أو غيرها، فالمعني في المطلق هو جوهر القضية بحد ذاته ووضوح انتهاكها إنسانيا، وهو ما يحرك مفهوم التضامن لمواجهة أي تغول أو تطرف ضدها ليشمل مواجهة عنصرية الأفراد والأحزاب اليمينية الغربية بحد ذاتها.

الأمثلة كثيرة في السياق، تبتدىء بالمظاهرات الدولية التي خرجت إبان الاستعدادات للحرب على العراق عام 2003 وانتهاء بالأحداث الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مرورا بجميع أشكال التضامن التي تترجم من حين إلى آخر إما ببيانات حادة أو تجمعات احتجاجية أو مظاهرات حاشدة ضد انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان في بلدان العالم، أو في البلدان الغربية ذاتها وتتسم بالعنصرية ضد أصحاب البشرة الملونة أو العقائد الدينية المختلفة أو انتهاك حقوق اللاجئين، وآخرها مناهضة قرار الدنمارك إعادة اللاجئين السوريين.

في المقابل، حين يتعرض الغربيون لبعض الحوادث الإرهابية البشعة أو حتى بعض الكوارث الطبيعية، ستكتشف حجم الهوة الحضاري الكبير وتلحظ ليس فقط تقاعس الرأي العام العربي عن التضامن مع أحد هذه الشعوب الغربية المنكوبة ومؤازرتها في واحدة من محنها الإنسانية، بل تراجعا مخجلا للضمير العربي وعنصريته الأكثر مدعاة للخجل.

لم تخرج في يوم من الأيام مظاهرة أو مسيرة أو تجمعا صغيرا لإضاءة شموع على أرواح ضحايا حوادث الإرهاب الذين يسقطون من حين إلى آخر في بعض المدن الغربية. لم تخرج البيانات التي تدين أي اعتداء وتتضامن مع ذوي الضحايا ولو لذر الرماد في العيون. كل ما يحدث معاكس ومؤسف، بل ويمكن تصنيفه بالفكر المريض والسلبي والعنيف المحرض على الكراهية وترجماتها.

لم تخرج في يوم من الأيام مظاهرة أو مسيرة أو تجمعا صغيرا لإضاءة شموع على أرواح ضحايا حوادث الإرهاب الذين يسقطون من حين إلى آخر في بعض المدن الغربية.

العام الفائت، حين ارتفعت الإصابات بفيروس كورونا بين الشعوب الغربية، ارتفعت الأصوات الشامتة بمصاب الغربيين واعتبار كارثتهم قصاصا عادلا من السماء. أصوات كراهية عمياء سرعان ما خفتت قليلا حال وصول الفيروس وانتشاره في البلدان العربية والإسلامية لكن مع استمرار نبرة الكراهية والحقد وتحميل الغربيين وزر الداء والبلاء بين المسلمين انطلاقا من نظرية المؤامرة، دون الأخذ بالاعتبار في كل مرة يكيلون فيها الشتائم للغربيين أنها تشمل بدورها كل مسلم مواطن في العالم الغربي.

مع كل مصيبة أو حدث إرهابي ترتفع الأصوات التي تستخدم الوسائل الإلكترونية التي اخترعها الغرب، للتشفي بمصابهم وتكيل لهم الدعاء بالفناء بصفتهم شعوب كافرة يستحقون مايحدث لهم. في الوقت الذي ترتفع أصواتهم باستمرار مطالبين المجتمعات الغربية بتقديم المساعدات ومطالبة شعوبها بنصرة قضاياهم، وفي الحقيقة تتسامى العديد من شعوب العالم الغربي عن هذه الصغائر وتعيد تضامنها مرة إثر مرة مع هؤلاء أنفسهم الذين كانوا يشتمونها قبل وقت قليل.

هل القوانين أم الثوابت والقيم الأخلاقية أم مناخ الحريات هو مايعزز يقظة ضمير الفرد في العالم الغربي عن نظيره في بلدان أخرى ويدفعه لنصرة القضايا الإنسانية كما يفعل دوما، أم أنها عقدة الذنب الكامنة لديهم تجاه الضحية كما يروج بعض الجهابذة من المتشددين وتتناقلها العامة على أنها فكرة عبقرية.

إن قراءة سريعة لحياة الفرد في العالم الغربي كافية أن تمنحك الجواب، حيث يترعرع منذ نشأته ضمن بيئة ومنظومة أخلاقية شاملة تمرنه على قبول الآخر ومناهضة التنمر والعنصرية، وتدربه عبر وسائل عدة على معنى الانفتاح الفكري، فتصقل حواسه بالموسيقى وتشجعه على متابعة الفنون أو الانغماس في واحدة منها، تعلمه مفهوم حريته وحدودها مع حرية الآخرين، ومن ثم تتركه ليختار بعد رحلة مدروسة من الرعاية النفسية والعلمية والصحية دربه في الحياة ومسار إنسانيته الصحيح.

إن متابعة سيل الأحقاد وحجم الكراهية للآخر المنتشر في المجتمعات العربية يؤكد أنهم ضحايا بامتياز، لكن ليس بحسب الفكرة أعلاه، بل ضحايا بيئاتهم القمعية وضحايا أنفسهم، ولن تتحرر هذه المجتمعات ما لم تتحرر نفوس أفرادها وتتخلص من كل الشوائب التي علقت في الأرواح والتي يغذيها باستمرار الطغيان السياسي والديني وغياب الحريات وأولياء الأمور.

المفارقة الوحيدة التي لا تجد لها دوما أي تفسير، أن معظم من يبثون السموم والحاقدين والمتطرفين ينتظرون أية فرصة للهجرة أو الهروب للعيش في واحدة من دول هذا العالم الغربي الذي يبادلونه الكراهية ثم يطالبون شعوبه بالتضامن معهم من جانب واحد. فأية أحجية هذه؟

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : لماذا تتضامن الشعوب الغربية معنا؟

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017