تطورات الأسبوع المنصرم في الأردن، رغم عدم وضوح الصورة بالكامل بعد عن مسبباتها ولاعبيها، هي غير مسبوقة بأسلوبها في تاريخ المملكة الحديث ويعكس رد الفعل الإقليمي والدولي عليها جدية الموقف، رغم تخطي عمان في المدى القصير خطورة عدم الاستقرار.
فالمواجهة العلنية وعبر الفضاء الإعلامي الأجنبي بين الأمير حمزة والملك عبد الله الثاني تختلف بمضمونها وأسلوبها عن المناكفات العائلية التي خاضها الملك منذ ١٩٩٩ وشملت في ٢٠١٧ إحالة أخويه فيصل وهاشم إلى التقاعد من الجيش. الاختلاف جاء أيضا في حجم الاعتقالات (١٤ إلى ١٦) بينهم باسم عوض الله، صاحب الارتباطات الإقليمية، والشريف حسن بن زيد.
المعارك العائلية ليست جديدة على الهاشميين، إنما لم تكن بهذه الضراوة العلنية منذ خمسينيات القرن الفائت. وبعد اغتيال مؤسس المملكة والدولة الأردنية، الملك عبد الله الأول بن الحسين، برصاصة أمام المسجد الأقصى، في صيف ١٩٥١، والطريق لصعود حفيده، حسين بن طلال، إلى العرش. طبعا، واجه بعدها الملك حسين تحديات هائلة من أيلول الأسود إلى حرب الخليج الأولى والثانية، ونجح في إرساء نهج مستقر وسياسة معتدلة توازن تحالفات خارجية من البيت الأبيض إلى الكرملين.
هذا التوازن حافظ عليه الملك عبد الله الثاني رغم توترات في العلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي كان مقربا من بنيامين نتانياهو.
البيان الأميركي، يوم الأربعاء، عن أحداث الأردن، بعد اتصال من الرئيس، جو بايدن، بالملك عبد الله يعكس قلقا وجدية من واشنطن في النظر إلى الأزمة الأخيرة. فهناك إشارة لدعم القيادة الأردنية مباشرة، تعميق العلاقات الثنائية وسطر هام حول التزام أميركا حل الدولتين.
الحكومة الأردنية أشارت إلى أصابع خارجية تحاول إثارة الفتنة في الداخل، وهو أمر غير مستبعد نظرا لتاريخ الأردن ومحوريته كوسيط في عدة ملفات إقليمية من القدس إلى بغداد. إنما في نفس الوقت لا يجوز المبالغة في قراءة هذه العوامل.
فالخلاف بين الأمير حمزة والملك له مسبباته، بغض النظر عن ارتباطات لمن تم اعتقالهم بالخارج، والعوامل الداخلية من الأزمة الاقتصادية إلى جائحة كورونا، الشرخ مع القبائل موجود سواء تمت "الصلحة" بين الملك وشقيقه أم لا.
هذا يستدعي قرارات أبعد من الاتصالات والزيارات والخطابات لإصلاح الخلل في المدى المتوسط. فمشكلة الفساد في الأردن موجودة قبل أن يتحدث عنها الأمير حمزة في فيديو الـ"BBC"، ومستويات الفقر ارتفعت بنسبة ٣٩ بالمئة العام الفائت، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. هذا فوق أزمة اللاجئين ووباء كورونا، ما زاد من عمق الأزمة والتحديات أمام الملك.
في نفس الوقت، يعكس الدعم الإقليمي والدولي السريع لعمان إمكانية رسم منعطف باتجاه فض الخلل وضمان استقرار المملكة. واستئناف المساعدات الأميركية لمنظمة "أونروا" للاجئين الفلسطينيين بعد أيام على الخضة الأردنية، فيه دعم صريح للملك ولاستقرار الأردن، ويختلف عن نهج ترامب الذي فتح عدة ملفات للمقايضة، بينها أمور تمس بمصالح حيوية للأردن. وزيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى الأردن بعد اتصالات خليجية، رسخت أيضا الالتزام باستقرار عمان وتحالف الأنظمة الملكية الأكبر من الخلافات السياسية فيما بينهم.
المرحلة المقبلة هي محورية للملك عبد الله الثاني باستثمار الدعم الأميركي والإقليمي لتحسين الوضع الداخلي في الأردن، وحماية المصالح الخارجية الأردنية من القدس إلى دمشق بالتوازي مع ضبط الخلافات داخل العائلة.
0 تعليق على موضوع : هزة غير مسبوقة في الأردن
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات