نادرا ما تجتمع أصوات أعضاء من مجلسي الكونجرس، النواب والشيوخ، على رؤية ما، لا سيما إذا كانت تخص الشرق الأوسط بشكل عام، والقضية الفلسطينية بنوع خاص.
على أن ما جرى الأيام القليلة الماضية من إرسال مشرعين أمريكيين خطابات إلى الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، ينتقدون فيها الحكومة الإسرائيلية، ويحثونها على تطعيم الفلسطينيين، يستدعي بل ويسترعي الانتباه.
هل توقفت المطالبات عند قصة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرة السلطات الإسرائيلية، ومسألة الطعوم المضادة لجائحة كوفيد-19؟
بالقطع لا، بل تجاوزت إلى ضرورة إلغاء “صفقة القرن، التي أرسى قواعدها، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ناهيك عن مطالبات باستئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا )، وممارسة ضغوطات لضمان حقوق الفلسطينيين.
يمكن للمرء أن يتقبل فكرة توقيع رشيدة طلب عضو مجلس النواب ذات الأصول الفلسطينية على مثل هذا الخطاب الذي أرسل إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، نهار الجمعة الماضي الثاني عشر من مارس آذار الجاري.
غير أن ما يتطلب بحثا معمقا هو توجه عدد آخر من الأمريكيين الأنجلو ساكسون في المجلسين في ذات الإتجاه والذي يختصم دولة إسرائيل، ويطالب باحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
لفهم ما يجري في داخل الكونجرس الأمريكي، ربما يتوجب علينا الإشارة إلى أمرين:
الأول: هو أن هناك حراك حقيقي داخل التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، تيار يميل إلى الفكاك من الارتهان لإسرائيل في الحل والترحال، وهو أمر ولاشك يزعج الحكومة الإسرائيلية في الحال، ويتسبب في مخاوف كبيرة في الإستقبال.
الثاني: موصول بمناخ عام في الداخل الأمريكي، يرى أنه قد حان الوقت للأمريكيين جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين، لبلورة رؤية للشرق الأوسط، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، مختلفة عن المسارات والمساقات التي درجت عليها الإدارات الأمريكية السابقة منذ منتصف القرن العشرين.
هذا التيار أرتفع صوته داخل مؤسسات تعليمية متعددة لا سيما الجامعات، والتي تطالب بمقاطعة إسرائيل، جراء تعاطيها مع الفلسطينيين، ومؤسسات إعلامية وتلفزيونية لا تنفك تأخذ جانب احقاق الحقوق المهدرة في داخل الأرض المحتلة .
الأصوات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، تعلو كذلك في مواجهة سياسة التهويد التي تتبعها إسرائيل، وبخاصة هدم المنازل في الضفة الغربية والقدس.
هل يمكن اعتبار تلك النوعية من الرسائل بمثابة رسالة واضحة من نواب وشيوخ الشعب الأمريكي لإدارة بايدن تؤكد على الرفض النخبوي للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، المنافي والمجافي للقانون الدولي؟
الذين قدر لهم الإطلاع على خطابات النواب والشيوخ الأمريكيين خلصوا إلى القول بأن هناك ارتياحا كبيرا لما تنتوي إدارة بايدن انتهاجه من معارضة للضم الإسرائيلي لأراضي فلسطينية جديدة، لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك قصور أمريكي تجاه سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، عطفا على القدس الشرقية.
تبدو إسرائيل في عيون الكثير من الأمريكيين مجحفة على صعيد الشأن الإنساني، ذلك أنه فيما طعمت كل سكانها، لم توفر الإ نحو خمسة آلاف جرعة لقاح للفلسطينيين، الأمر الذي يتعارض مع التزاماتها كقوة إحتلال بحسب القانون الدولي، تلك التي تلزمها بتوفير اللقاح لكافة الفلسطينيين الذي يعيشون تحت نير الاحتلال، بمن فيهم مليوني فلسطيني يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة في قطاع غزة، تلك التي تسبب الاحتلال في إنهيار مستوى الخدمات الصحية به ، وبات أهل القطاع في أمس الحاجة إلى كافة أشكال المساعدات الإنسانية بداية، ووصولا إلى لقاحات كورونا.
سوف يدهش القارئ العربي حين يطالع أسماءأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين الذين وقعوا على الخطاب، ففي مقدمتهم العضو بيرني ساندرز، الديمقراطي الذي سعى للترشح وكاد أن يكسب معركة الحزب في مواجهة هيلاري كلينتون، قبل أن يتعرض لمؤامرات الحزب الداخلية.
ومن الأسماء أيضا، نجد إليزابيث وارين، أقدم سيناتور في مجلس الشيوخ، وقد سعت بدورها للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لها في سباق الإنتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، عطفا على توم كاربر سيناتور ولاية ديلاوير، ، وشيرود براون سيناتور اوهايو النافذ، والذي طرح اسمه بالفعل لمواجهة ترامب، ثم جيف ميركلي، من اوريجون.
والشاهد أنه إن كانت الأسماء تدل على شيئ، فإنها تدل على أن تيارا قويا سوف يسعى خلال السنوات الأربع المقبلة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، تلك الواضحة في القانونين، الدولي والإنساني، لا سيما وأن الخروقات الإسرائيلية التي عززتها إدارة ترامب، تبدو ظاهرة للعيان بدون أن يقدر لحكومة نتانياهو أو أي حكومة قادمة مداراتها أو مواراتها.
هنا قد يتساءل البعض :” هل يمكن أن تتراجع إدارة بايدن عما قامت به إدارة سلفه وبخاصة القرار الخاصة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل؟
أغلب الظن أن ذلك لن يحدث، لكن في كل الأحوال لن يكون طريق تل أبيب معبدا بالوعود والورود في الداخل الأمريكي في السنوات الأربع القادمة.
يعزز الإفتراق بين الجانبين بصفة خاصة ، الملف النووي الإيراني، حيث ترغب إدارة بايدن حتى الساعة في التوصل إلى صفقة جديدة، ولو باتت متعثرة مؤخرا بسبب العناد والغي الإيراني السادر، فيما تل أبيب ترى أنه من قبيل تضييع الوقت إعطاء فرصة أخرى لإيران، والمتابع لتصريحات عديدة صدرت من قلب إسرائيل في الفترة الأخيرة، يدرك أن الإسرائيليين ربما يعدون أوراقهم على طريقتهم الخاصة، حتى لو كلف الأمر خصاما ظاهريا مع الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يمكن لإدارة ترامب أن تقدم مشروعا أمريكيا حقيقيا لإنهاء الخلاف الذي طال بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟
الحقيقة المؤكدة هي أن لا شئ يمكن أن تجري به المقادير قبل الإنتخابات الإسرائيلية والفلسطينية القادمة، وربما يكون إهتمام بلينكن وبايدن يدور الآن حول المواجهة مع طهران من ناحية، ومع القيصر بوتين من ناحية أخرى ، سيما بعد الاتهامات المباشرة من ترامب بخصوص التدخل في سياق الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
ومع ذلك كله يمكن القول أن إسرائيل تفقد يوما تلو الآخر بعض من مربعات نفوذها في واشنطن إلى حين إشعار آخر.




0 تعليق على موضوع : إسرائيل تخسر مربعات نفوذ في واشنطن
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات