في عدد من بلدان منطقتنا، لا تستطيع النساء السفر إلا بإذن "وصي". في بلدان أخرى، لا تستطعن استخراج جواز سفر حتى، دون إذن هذا "الوصي".
في بلدان أخرى، تحتاج المرأة لوصي لكي تتزوج... بمعنى أنها ستصبح عمليا مسؤولة عن أسرة جديدة، لكنها تحتاج لوصي يوقع عنها هذا العقد. وصاية يرجعها أهل الحل والعقد لحديث منسوب للرسول يقول فيه: "أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل".
الأدهى أنه، حتى حين لا يقر القانون هذا الحيف، فالعقليات تبقى متشبثة به لأنها تعتبر المرأة غير قادرة على أخذ قراراتها بنفسها. في المغرب مثلا، تستطيع المرأة الراشدة، منذ سنة 2004، أن تزوج نفسها أو أن تفوض ذلك لأبيها (المادة 25 من مدونة الأسرة). لكن متوسط الزيجات التي تتم بتوقيع الزوجة نفسها وليس الولي، لا يتجاوز 5٪.
كيف يعقل اليوم، في القرن الواحد والعشرين، بكل ما حققته النساء في مختلف الميادين، أن نستمر في التعامل بمنطق يعتبر المرأة قاصرا تحتاج وليا للسفر والزواج والعمل...؟ قاصر، ليس لخلل عقلي لديها، بل لمجرد انتمائها الجنسي.
لنتأمل هذه المعطيات: في المغرب: خلال الموسم الجامعي 2014\2015 على سبيل المثال، كان عدد النساء في مختلف الجامعات يصل إلى 48،3٪؛ فيما كان عدد الخريجات يتجاوز النصف في تخصصات كثيرة كطب الأسنان مثلا (74٪)، التجارة والتسيير (54٪)، الطب والصيدلة (57٪) العلوم القانونية والاقتصادية (54٪) والتكنولوجيا (54٪) (المصدر: تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي صادر سنة 2016).
مع نهاية سنة 2020، بلغت نسبة النساء الناجحات في مباراة الأساتذة المتعاقدين 83٪.
كذلك، ودائما في المغرب، فإن 70٪ من النساء المستفيدات من القروض الصغرى خلال العشر سنوات الأخيرة تتراوح بين 64 و75٪ حسب الفيدرالية الوطنية لجمعيات القروض الصغرى؛ والقروض الصغرى هي قروض تتراوح بين 100 1500 دولار يستفيد منها أشخاص في وضعية هشاشة اقتصادية وغير قادرين على الاستجابة لشروط القروض البنكية. وقد أثبت التجربة في العالم أن النساء يمثلن أكثر المستفيدين (أكثر من 80٪ كمتوسط مع نسبة سداد للديون لدى النساء تعادل 98٪).
هذه نماذج ضمن أخرى تبين واقعا اجتماعيا واقتصاديا لا يمكن أن نقبل معه مبدأ الوصاية أو القوامة على المرأة، كيفما كان مصدرها.
أستحضر هنا حكاية شابة مغربية قررت أن تسافر للسعودية لأداء العمرة رفقة والدتها، وكانت في حاجة لرجل وصي (محرم). بسبب وفاة الأب، كان لابد للأخ أن يرافقها... لكن هذه الشابة كانت المتكفلة الوحيدة بالأسرة ماديا. لذلك، فقد دفعت مصاريف العمرة عنها وعن والدتها وعن أخيها... الذي كان كفيلها الرسمي!
أليست هذه صورة عبثية لواقع اجتماعي ولعقليات قروسطية...؟ واقع يتجاوز بالتأكيد الحالات المعزولة لأنه يمس آلاف النساء من منطقتنا. نساء متعلمات أو لا، عاملات، نشيطات... لكنهن تحت وصاية الرجل، لا لكفاءة معينة فيه بل فقط لأن قرونا من العقلية الذكورية جعلت المجتمع يعتبره بالضرورة "وصيا" و"قيما"، حتى لو فاقته تعلما أو ذكاء أو مقدرة.
بل أكثر من هذا، حتى إن لم تكن المرأة عاملة ومستقلة ماديا... أليست مواطنة كامل الأهلية؟ أليست النساء كالرجال، فيهن العاقلة والساذجة والمريضة نفسيا والمتمكنة والذكية والهشة؟ لماذا نعتبر ضمنيا بأن مجرد كونها امرأة (وهو انتماء جنسي طبيعي لم يختره أي منا ولا يمكن أن نعتبره إنجازا أو فشلا)، فهي بالضرورة قاصر؟ ولماذا نعتبر مجرد انتماء الآخر لجنس الذكور (وهو بدوره انتماء جنسي طبيعي لم يختره أي منا ولا يمكن أن نعتبره إنجازا أو فشلا) يجعل منه "وصيا" على أخته أو ابنته أو زوجته؟ هل نستطيع مثلا أن نتصور أن رجلا راشدا يبلغ من العمر ثلاثين سنة أو أكثر، يقع تحت وصاية أخيه الأكبر لمجرد أنه ولد عاما بعده، ويحتاج لموافقته على سفره وحجه وزواجه وكل قراراته؟ إن حدث هذا، فسيمثل بالتأكيد حالة معزولة في أسرة لها اختيارات معينة؛ لكنه بالتأكيد ليس حالة عامة يثمنها الفقهاء والمجتمع كافة والقانون أحيانا!
مفهوم القوامة كان ربما مقبولا في سياقاته الخاصة، رغم أن هذا المعطى نفسه يحتاج لإعادة نظر... لأن الرسول كان متزوجا من سيدة كانت امرأة أعمال بلغة اليوم، وكانت تنفق على البيت وتملك تجارة وكان النبي نفسه يشتغل عندها قبل زواجه منها. مما يعني أنه، حتى في المجتمعات التي نسميها اليوم "جاهلية"، لم تكن كل النساء تابعات بل كانت بينهن نساء مستقلات ماديا، وخديجة إحدى نماذج هذا الواقع لأن المرويات التي وصلتنا لا تقول إنها كانت استثناء غرائبيا.
لكن، ومع ذلك، إذا قبلنا سياقا عاما واعتبرنا أن تلك النماذج الإيجابية كانت تمثل فيه أقلية، فمن المؤكد أننا نحتاج اليوم لمراجعة هذه "البديهيات" في مجتمعات يفترض أن تعتبر أن المرأة ليست أفضل من الرجل ولا هي أقل منه مكانة. وبالتالي فلا يعقل، في قرارات تخصها، وهي سيدة راشدة، أن تحتاج لوصايته لكي تمارس حياتها وحرياتها..




0 تعليق على موضوع : من الوصي عليكِ؟
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات