الأمر المؤكد أن تشكيل حكومة ليبية جديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة يمثل خطوة مهمة إلى الأمام في اتجاه التسوية السياسية وإعادة بناء الدولة. إلا أن المهام الضخمة والمعقدة التي تواجه السلطة الانتقالية في ليبيا تجعل الإفراط في التفاؤل خطأً كبيراً.
الحكومة الليبية أمامها طريق طويل محفوف المصاعب والتعقيدات لكي تتمكن من إنجاز المهام المطروحة عليها، المتمثلة في تحقيق الخدمات من إعادة تنظيم الاقتصاد المنهار، وتحسين الخدمات العامة، وتوحيد مؤسسات الدولة، بما فيها القوات المسلحة – بما يعنيه هذا من ضرورة حل الميليشيات، وطرد المرتزقة الأجانب. وهو شرط لابد منه لتحقيق الاستقرار والأمن الضروريين لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والخروج من الوضع الانتقالي إلي إقامة مؤسسات دستورية دائمة، وكل هذا يجب أن يتحقق قبل نهاية العام الجاري (24 ديسمبر القادم). وهي مهمة بالغة الصعوبة تحتاج إلى توافر قدر كبير جداً من حسن النية من جانب الأطراف المنخرطة في العملية السياسية الجارية، وإلى ضغوط دولية قوية لتحييد الدور شديد السلبية الذي تقوم به تركيا والقواعد العسكرية (التابعة لها) والميليشيات والأطراف السياسية التي تدين لها بالولاء.
ويكفي أن نشير إلى المماحكات الطويلة من جانب الأطراف المذكورة حول مكان انعقاد جلسة مجلس النواب لمناقشة الثقة بالحكومة، حتى أمكن في النهاية الاتفاق على عقد الجلسة في (سرت).
الحكومة الموسعة
مكننا أن نتخيل صعوبة عمل (حكومة الوحدة الوطنية) واتخاذها قرارات كبري في ظل عددها الكبير (35 عضواً، منهم نائبان للرئيس عن الشرق والغرب، و27 وزيراً، و6 وزراء دولة) يمثلون مختلف أقاليم البلاد والاتجاهات السياسية مع احتفاظ (دبيبة) بحقيبة الدفاع.. وقد أعلن في تشكيل الحكومة ضرورة توافر عناصر الكفاءة المهنية. وتمثيل المرأة والشباب (توجد 5 وزيرات منهن وزيرة (الخارجية) والتوازن في توزيع المناصب السيادية وعدالة توزيع الثروة فسيكون القائد العام للقوات المسلحة من الشرق، وفي المقابل يكون رئيس الأركان من الغرب، ووزير الداخلية من الجنوب.. والأمر بالمثل فيما يخص الوزارات الاقتصادية والخدمية. وأدى هذا الحرص على التوازن وإرضاء مختلف الأطراف إلى اتساع عدد الوزراء وتوزع انتماءاتهم وتوجهاتهم، وهو ما يضعف تماسك الحكومة ويجعل قيادتها أصعب. إلاّ أن دبيبة أصر على أوسع تمثيل للأقاليم والأطراف وهو أمر لا يخلو من الوجاهة على أية حال.
كما أن تركيز (دبيبة) على وضع إعادة تنظيم الاقتصاد وتحسين الخدمات مع تحقيق التوازن في توزيع الوزارات والمناصب الاقتصادية – هو الآخر اختبار يتسم بالوجاهة – لأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في ليبيا قد شهدت تدهوراً خطيراً خلال السنوات الماضية، بسبب الحرب الأهلية ونفقاتها من ناحية، والنهب واسع النطاق لموارد البلاد واحتياطاتها الضخمة على يد حكومة «الوفاق» من ناحية أخرى.. وهو ما أدى اندلاع احتجاجات جماهيرية حاشدة في الغرب أساساً، ومن الشرق بدرجة أقل، وبالتالي فإن تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سيكون من شأنه تخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
توحيد المؤسسات
غير أن المشكلة الكبرى التي تواجه التسوية السياسية وعملية إعادة بناء الدولة هي وجود القوات التركية، ووجود الميليشيات الإرهابية مثل ميليشيات «الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» (والمرتزقة السوريون) من ناحية أخرى، فضلاً عن الميليشيات القبلية والمناطقية.
وعلى الجانب الآخر يمثل «الجيش الوطني الليبي» بقيادة (المشير حفتر) عماد القوة العسكرية لشرق البلاد وهو جيش نظامي محترف الغالبية العظمي من ضباطه وجنوده سبق لهم الخدمة في الجيش الليبي في عهد القذافي.
غير أن الجيش الوطني الليبي يظل هو القوة العسكرية الرئيسية (للشرق) وهي قوة تتسم بالانضباط والولاء للوطن، بخلاف الميليشيات الموالية لتركيا، والتي تمثل عماد القوة العسكرية والأمنية «للوفاق».
ومعروف أن اتفاق جنيف (23 أكتوبر 2020) قد نص على حل الميليشيات والقوى غير النظامية، وترحيل المرتزقة الأجانب خلال ثلاثة أشهر – وان لم يأت على ذكر القوات التركية – كما نص على توحيد القوات العسكرية والأمنية النظامية. إلاّ أن حكومة «الوفاق» لم تتخذ خطوة واحدة لحل الميليشيات أو ترحيل المرتزقة( 20 ألفاً ).. بل تواصل إدماج قيادات وعناصر الإرهاب في قوام قوات الأمن، ومنح الجنسية الليبية للمرتزقة، وتعزيز تسليح الميليشيات وتدريبها، وترفض الاعتراف بالجيش الوطني، كما ترفض ترحيل المرتزقة.
وفي وضع كهذا يبدو توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية أمراً صعباً. فلا يمكن الجمع في كيان واحد بين جيش وطني، وميليشيات لا تدين بالولاء للوطن، ولا تكف عن الصراع فيما بينها على النفوذ والمال.. وتنشر الفوضى في الأجزاء الغربية من البلاد، وتمنع تنفيذ الاتفاقات المعقودة تحت إشراف أممي.. وتعلن عدم التزامها بتنفيذها.
لهذه الأسباب، هناك قناعة دولية عامة بأن الوجود التركي هو أهم عائق لتنفيذ الاتفاقات وتمكين الحكومة الجديدة من تنفيذ خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها بين القوى السياسية..
-------------
د. محمد فراج أبو النور *
* كاتب مصري




0 تعليق على موضوع : حكومة الدبيبة.. مهمة إنقاذ ليبيا
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات