شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

هكذا خُلق الشر: الشيطان في الحضارات القديمة


«بينما عبد القدماء آلهةً للخير طمعًا في خيرها، عبدوا آلهةً للشر اتقاءً لشرها». هكذا علمونا قديمًا، وحتى الآن يؤمن كثيرون بتلك الفكرة النمطية عن نظرة أهل الحضارات الإنسانية القديمة إلى قوى الشر على أنها آلهة أو أرباب تؤذي، وأنهم عبدوها وقدموا إليها القرابين درءًا لأذاها.


حسنٌ، هذه فكرة خاطئة تمامًا.

فأولًا لم تكن علاقة الإنسان القديم بـ«رمز الشر» علاقة عبادة بالضرورة. وثانيًا، هذه الرموز لم تكن دائمًا «مصدر الشر». وثالثًا، «الشر» نفسه لم يكن في كل الأحوال شرًّا ينبغي رده، بل كثيرًا ما كان «شرًّا لا بد منه». لذا، دعونا لنأخذ جولة بين بعض نماذج الشر في الحضارات القديمة.

مصر القديمة: «سِت»، الشر ليس مرفوضًا دائمًا
الإله ست - الصورة: Neithsabes

لا بد أن أول من قفز ذكره إلى ذهن القارئ هو «سِت»، المشهور بـ«إله الشر».


في كتاب «الجبتانا: أسفار التكوين المصرية»، الذي صاغه علي الألفي في أربعينيات القرن العشرين نقلًا عن المؤرخ المصري القديم مانيتون السمنودي، نقرأ أن سِت كان أخًا للأرباب أوزيريس وإيزيس ونفتيس، وكان مشاغبًا أرهق الناس شرًّا وفجورًا، ثم تآمر على أخيه الملك أوزيريس حسدًا له على مكانته، واغتاله ومزق جسده. وتسير الأسطورة في طريقها المعروف الذي ينتهي بتتويج أوزيريس إلهًا للعالم الآخر، وتنصيب سِت إلهًا للشر.

لو انتقلنا من إطار الأسطورة إلى الإطار الأكاديمي، عبر كتاب «الديانة المصرية القديمة» لعالم الآثار الدكتور عبد الحليم نور الدين، سنقرأ أن سِت كان ربًّا للصحراء وتجسيدًا لقوى الشر والفوضى والارتباك (على نقيض «ماعت»، إلهة العدل والحق والنظام والانضباط)، وأنه من البداية خرج إلى العالم مُعبرًا عن عنفه، بأن مزق رحم أمه «نوت» قبل أن تكتمل فترة حملها به.

ولأنه رب الصحراء، فقد ارتبط بالجدب والقفر وموت النباتات، وكان كابوسًا للمصري الذي يعيش على الزراعة.

لكن سِت لم يمثل «منبع الشر» أو أصله الأوليّ، وإنما كان «إلهًا شريرًا»، فالشر سابق لوجوده، هو فقط اتبع طريقه، وكذلك فهو ربٌّ للقوى الضارة كالعنف، والحيوانات الضارية والعواصف العاتية.

ربما لهذا فإنه لم يكن من الغريب أن يُقَدّس وينضم إلى مجمع الآلهة، إلى حد اعتباره المعبود الرسمي للبلاد في عهد الهكسوس، بل وأن نرى بعض الرسوم تمثل جسدًا له رأسان أحدهما لحورس والآخر لسِت، أو أن يظهر الملك واقفًا بين الإلهان وهما يتوجانه. كان ذلك بمثابة اعتراف من المصريين بأنه لا يوجد شر مطلَق كما أن لا خير مطلق، وأن الإنسان قد يحتاج أحيانًا إلى القوى المكروهة لتستمر الحياة.

في كتابه الممتع «الرحمن والشيطان»، يضيف الباحث السوري فراس السواح تفاصيل عن سِت، فيقول إنه كان أقدم إله مصري من عصر ما قبل الأسرات، وأن الوافدين من الشرق في بدايات تشكيل المجتمع المصري القديم حملوا معهم فكرة الإله «حورس»، مما خلق بدوره فكرة ذلك الثنائي المتصارع، وأن الحرب بينهما ما هي إلا نقل أسطوري لفكرة الصراع بين التجمعات السياسية في مصر ما قبل الوحدة، إذ عبد بعضها حورس وآخرون عبدوا سِت. بل وقد تكون قصة تآمر الأخير على أوزيريس بمثابة إسقاط أسطوري لقصة مؤامرة حقيقة دُبِّرت بحق بعض ملوك العصور المبكرة.

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : هكذا خُلق الشر: الشيطان في الحضارات القديمة

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017