أغفلت التربية على الكم عبر تاريخها الأثر المتعاقب للسلوك البشريّ الوضيع، السلوك الذي يحرس الملكيّة ويدعّم ركائزها النكوصية، فالإغفال المتعمّد فتح باب الذرائع المزيّفة لشرعنة العالم كما هو، وإطلاق أحكامٍ وقيمٍ نهائية لم تتغير طوال التاريخ الذي كتبه الأقوياء وصاغوه بحبر الخديعة والوهم؛
فالتربية على الكم وقد شكّلت وجوداً يقصي الجميع فيه الجميع، تتحمّل كامل إخفاقاتنا في عدم الوصول إلى السعادة أو الوصول إلى سعادة مزيّفة، جعلت العالم من حيث لا ندري حلبة منافسة وصراعٍ دائمين، لقد أصبح الجميل والعميق هامشاً ضيّقاً لبشرية مذعورة تلهث خلف تعاستها وقبحها.
الفرصة في العثور على إنسانيتنا، تتضاءل يوماً بعد يوم، منذ أن ضيّقت التربية على الكم الخناقَ على التربية الجماليّة، لقد ربطت النافع بالجميل ربطاً تعسفياً، يبرر غاياتها في استنفاد الإنسان وشلّه، فالنافع الذي جعلته الضرورات المُختلقة يتعيّن بالإشباعات المادية للفرد، ساهم في الوقت ذاته في خلق عالمٍ تهدد الفرد فيه الحاجة والقلّة والخواء تهديداً مستمراً، بعد أن حُصر وجود الإنسان في معادلة "التنافس والإنتاج والاستهلاك" بتعبير "أريك فروم"، وهذا ما جعل المخيلة الإنسانيّة تضمر وتنحسر، متيحةً للتصورات القبلية والجمعيّة عن الجميل والجمال أن تنمو نموّاً جهنمياً، يماثل الجميع في رغباتٍ مشتركةٍ أصبحت الطريق الوحيد والحصري إلى السعادة، ولكن في الحقيقة لم تكن سوى طريق باتجاه واحد يفضي إلى العنف والخوف والحرب.
تُعتبر التربية الجماليّة في معظم مجتمعاتنا ترفاً فائضاً عن الحاجة، لاسيما في فضاء الجوع والحرمان الذي يطبق عليها، ففي إحدى حصص مادة الاجتماعيات لتلاميذ المرحلة المتوسطة كان هناك سؤال كالتالي: إذا كان لديك قطعة أرض فماذا تزرعها؟ وبينما تعددت الإجابات ما بين الخضروات والفواكه والحبوب، إجابة واحد كانت مختلفة: "أريد أن أزرعها ورداً؛ تلا هذه الإجابة استهجان واسع من جميع الأطفال: وماذا نفعل بالورد، نحن لسنا نحلات أو فراشات، فلا يمكننا أن نأكل الورد إذا ما جعنا. نعم هؤلاء الأطفال محقون، فالحاجة التي تترصدهم لن تسمح لهم بالنظر خارج أسوراها، الخوف سيطرد الجميل من مملكتهم، وسيطرد في الوقت ذاته الحرية التي لن يتعيّن الجمال داخلها.
- التربية على الكم جعلت العالم من حيث لا ندري حلبة منافسة وصراعٍ دائمين، لقد أصبح الجميل والعميق هامشاً ضيّقاً لبشرية مذعورة تلهث خلف تعاستها وقبحها
الفرصة في العثور على إنسانيتنا، تتضاءل يوماً بعد يوم، منذ أن ضيّقت التربية على الكم الخناقَ على التربية الجماليّة، لقد ربطت النافع بالجميل ربطاً تعسفياً، يبرر غاياتها في استنفاد الإنسان وشلّه، فالنافع الذي جعلته الضرورات المُختلقة يتعيّن بالإشباعات المادية للفرد، ساهم في الوقت ذاته في خلق عالمٍ تهدد الفرد فيه الحاجة والقلّة والخواء تهديداً مستمراً، بعد أن حُصر وجود الإنسان في معادلة "التنافس والإنتاج والاستهلاك" بتعبير "أريك فروم"، وهذا ما جعل المخيلة الإنسانيّة تضمر وتنحسر، متيحةً للتصورات القبلية والجمعيّة عن الجميل والجمال أن تنمو نموّاً جهنمياً، يماثل الجميع في رغباتٍ مشتركةٍ أصبحت الطريق الوحيد والحصري إلى السعادة، ولكن في الحقيقة لم تكن سوى طريق باتجاه واحد يفضي إلى العنف والخوف والحرب.
تُعتبر التربية الجماليّة في معظم مجتمعاتنا ترفاً فائضاً عن الحاجة، لاسيما في فضاء الجوع والحرمان الذي يطبق عليها، ففي إحدى حصص مادة الاجتماعيات لتلاميذ المرحلة المتوسطة كان هناك سؤال كالتالي: إذا كان لديك قطعة أرض فماذا تزرعها؟ وبينما تعددت الإجابات ما بين الخضروات والفواكه والحبوب، إجابة واحد كانت مختلفة: "أريد أن أزرعها ورداً؛ تلا هذه الإجابة استهجان واسع من جميع الأطفال: وماذا نفعل بالورد، نحن لسنا نحلات أو فراشات، فلا يمكننا أن نأكل الورد إذا ما جعنا. نعم هؤلاء الأطفال محقون، فالحاجة التي تترصدهم لن تسمح لهم بالنظر خارج أسوراها، الخوف سيطرد الجميل من مملكتهم، وسيطرد في الوقت ذاته الحرية التي لن يتعيّن الجمال داخلها.
"هناك أهمية كبيرة لأن يكتسب الأطفال قيماً جمالية تناقض الشموليّة والأحادية، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن أن يتميّز التعليم بطابعٍ جماليّ إلّا إذا تم تحرير المعرفة المقدمة إلى الطلاب، وتحرير القائمين عليها(المعلمين) من كل أشكال القهر والتسلّط سواء أكان قهراً معنوياً أو رمزياً أو مادياً فضلاً عن ضرورة تحرير العلم من كل الأساطير المرتبطة به"،
"فصابر جيدوري" يؤكد في بحثه أنّ المؤسسات التربوية في مجتمعاتنا تتناقض مع القيم الجماليّة التي يفترض تبنيها لها، مما لا يسمح بتشكل الخبرة الجماليّة لدى أطفالنا، حيث إنّ انعدام هذه الخبرة يترك الوعي الجمالي المرتبط بقدرتهم على التعبير وعياً محدوداً ومغلقاً.
ليس المكان الخاطئ في النهاية سوى المكان النفسيّ لبشرية اختزلت وجودها إلى كمّ هزيلٍ، أثث العالم من حولنا بالتملّك والتنافس والجشع، وفي هذا العالم من الطبيعي أن يصبح الجمال هامشياً وأن يتحوّل إلى سلعةٍ معممة، فزمن المغامرين والحالمين الكبار قد ولّى، والحلم العالمي الجديد قد أطبق على الجميع، الحلمُ بالثروة والشهرة الذي سرق الحرية من البشرية، ثم أصبح المكان الوحيد لجمالٍ يتعفّن في أوردة السوق والمضاربات، فإذا لم يكن الإحساس بالجمال هو التعبير الأرقى عن نضوج الفرد، سنرى في كل مكانٍ حولنا أفراداً يتحولون إلى وحوش ينغمسون بالعنف والقباحة.
- إذا لم يكن الإحساس بالجمال هو التعبير الأرقى عن نضوج الفرد، سنرى في كل مكان حولنا أفراداً يتحولون إلى وحوش ينغمسون بالعنف والقباحة
ليس المكان الخاطئ في النهاية سوى المكان النفسيّ لبشرية اختزلت وجودها إلى كمّ هزيلٍ، أثث العالم من حولنا بالتملّك والتنافس والجشع، وفي هذا العالم من الطبيعي أن يصبح الجمال هامشياً وأن يتحوّل إلى سلعةٍ معممة، فزمن المغامرين والحالمين الكبار قد ولّى، والحلم العالمي الجديد قد أطبق على الجميع، الحلمُ بالثروة والشهرة الذي سرق الحرية من البشرية، ثم أصبح المكان الوحيد لجمالٍ يتعفّن في أوردة السوق والمضاربات، فإذا لم يكن الإحساس بالجمال هو التعبير الأرقى عن نضوج الفرد، سنرى في كل مكانٍ حولنا أفراداً يتحولون إلى وحوش ينغمسون بالعنف والقباحة.
0 تعليق على موضوع : ماذا نفعل بالوردة إذا كنا جائعين؟
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات