هل يعزل الرئيس ترامب؟

علم الأمريكيون في عام 1998 بشأن مساءلة الرئيس ،ذلك بعد أن وجه مجلس النواب الإتهام للرئيس بيل كلينتون ، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور ، وحاكمه مجلس الشيوخ ثم برأ ساحته ، ورأس وقتها " وليام رينكويست "، رئيس المحكمة العليا المحاكمة في مجلس الشيوخ .

شكك عدد من مؤيدي الرئيس بين عامي 1998 و 1999 في ملاءمة موقف المتهمين ، مؤكدين على أنهم يسعون في الأساس إلى إبطال إعادة إنتخاب كلينتون عام 1996 .
هل الأمس صنو اليوم ؟
ربما تتشابه أحداث التاريخ ، لكنها لا تعاد ، وهو ما رأيناه مع محاولة إقالة ترامب بإتهام الديمقراطيين له بإساءة أستخدام السلطة ، غير أن مجلس الشيوخ قد برأه في فبراير شباط 2020 .
والثابت أنه ما بين محاولتي إقالة كلينتون وترامب ،يتذكر المرء ما أشار اليه أحد رجال الدولة الأمريكيين الأوائل جدا ، "الكسندر هاملتون" ،بشأن الجدل حول إقالة الرؤساء ،وما سطره في الورقة الفيدرالية رقم 65 ، ونصها :" بقدر ما هناك رغبة كبيرة في محكمة جيدة التنظيم للمحاكمة في مساءلة الرئيس ، هناك أيضا صعوبة كبيرة في إقامتها ، في حكومة منتخبة برمتها ".
في الساعات الأخيرة وبعد نهار الأربعاء الدامي في الداخل الأمريكي ، ذاك الذي شهد ما أصطلح على تسميته غزوة الكونجرس ، بدأ الجميع يراجع أوراق هاملتون ثانية ، فقد صح تنبؤ الرجل ، في أن توجيه إتهام يؤدي إلى المساءلة والمحاكمة ، سوف يؤجج المشاعر في المجتمع كله ، لذا فإن عملية إتهام مسؤولين عموميين ومحاكمتهم ،يتعين أن يخطط لها جيدا " .
هل في الأفق ما يسمح بمحاكمة ترامب ومن ثم عزله ، إنطلاقا من أنه الرجل الذي تسبب في تحريض الجماهير الغاضبة وزحفها في مشهد فوضوي غير مسبوق إلى قلب الكونجرس ، قلعة الديمقراطية الأمريكية ؟
الحديث الدائر في واشنطن الآن يتناول التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكي والخاص بعملية إقالة الرئيس الأمريكي .
يسمح التعديل لنائب الرئيس بأن يصبح "قائما بأعمال الرئيس" حين يصبح الأخير عاجزا عن أداء مهامه، في حال العجز لأسباب مرضية مثلا..
ويجري الآن في واشنطن نقاش حول المادة المادة الرابعة من التعديل الخامس والعشرين ، التي تسمح لنائب الرئيس وأغلبية حكومية بأن يعلنوا أن الرئيس ترامب غير قادر على أداء مهامه الرئاسية.
لا تبدو الصورة واضحة في واشنطن لجهة عزل ترامب ، وهناك ثلاثة توجهات يمكن بلورتها فيما يلي :
إتجاه تتزعمه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ، العدو التاريخي واللدود لترامب ، والتي لا تزال الذاكرة الجمعية الأمريكية والاممية تحتفظ لها بمشهد بعيد جدا عن اللياقة السياسية ، وذلك حين مزقت أوراق خطاب حالة الإتحاد الأخير، وإن برر البعض فعلتها بأنها كانت تنتقم من الرئيس الذي تجاهل بدوره أصول البروتوكول بعدم مصافحتها قبل إلقاء الخطاب .
بيلوسي ترفع عقيرتها إلى أعلى حد ومد ، بأن ترامب لا يمكن ان يظل رئيسا لامريكا ولو لساعة واحدة او يوما جديدا أخرا ، بعدما تسبب فيما تراه إنقلاب على الحياة الدستورية الامريكية .
الفريق الثاني في الداخل الأمريكي ويمثله مايك بومبيو وزير الخارجية ، ومعه ستيف مينوتشين وزير الخزانة، و يبدو أنهما قد تشاورا أو لا يزالا يتشاوران في صمت حول فكرة إقالة الرئيس ، وهذا ما اشارت اليه صحيفة النيويورك تايمز قبل ساعات ، ومجرد إشاعة الخبر كفيل بأن يتسبب في صدمة لترامب ، فقد ظل بومبيو تحديدا أكثرهم ولاءا ، وقد رفض تعبيرات أوباما عن تحول امريكا لجمهورية موز في عهد ترامب .
الإتجاه الثالث وربما هو الحاسم والأهم بات يتمثل في موقف نائب الرئيس مايك بنس نفسه ، فعلى الرغم من أن موقفه في جلسة تثبيت الرئيس المنتخب بايدن جاءت منافية ومجافية لما طلبه منه ترامب ، أي الغاء نتيجة التصويت ، ومع أن الرجل ظل أمينا على قيم الديمقراطية الأمريكية ، والإعتراف بنتائج الإنتخابات في كل الولايات ، الإ انه يرفض بشكل قاطع فكرة عزل ترامب .
لماذا لن يعزل ترامب ؟
يدرك العقلاء والحكماء في الداخل الأمريكي أن التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد والعباد موصول بمداوة الجروح العميقة التي تسببت فيها عملية غزو الكونجرس الأمريكي .
في هذا الإطار فإن المطلب الاول من الرئيس بايدن هو إعادة اللحمة والسدى بين الأمريكيين أنفسهم ، وليس تعميق الشرخ الإجتماعي بينهم وبعضهم البعض .
السؤال هنا هل بقاء ترامب في منصبة لبضعة أيام لا تتجاوز أصابع اليدين أخف ضررا ام عزله والتسبب في صدامات مجتمعية هوياتية أمريكية مازومة ؟
تحتاج التشاورات والمحاورات لعزل ترامب إلى أسبوع على الأقل ،وحين يصل الطلب إلى مجلس الشيوخ ، قد يشعر ترامب أنه امام تهديد حقيقي لولايته ، وعليه فقد يهرب إلى الأمام عبر إشعال حرب خارجية أو داخلية جديدة .
في هذا الحال سيكون الفائز الوحيد هو الجماعات اليمينية المتطرفة ، والتي ستزداد ضرارة عداوتها للمؤسسة السياسية الأمريكية برمتها ، وفي المقدمة منها الحزب الديمقراطي وكوادره ، الأمر الذي سيفتح الباب واسعا لاعمال شغب وعنف على السطح ، وتعميق الكراهية والعداوة بين الأمريكيين من ناحية ثانية .
ولعل ما لا تدركه بيلوسي ، أو على الأصح أنها تدركه وتتغاضى عنه ، هو أن المكايدة السياسية لترامب ، لن تزيد قامتها السياسية ، بل على العكس من ذلك تماما إذ ستجعل ترامب بطلا أسطوريا في عيون مناصريه ، وربما يكتسب نسبة من لا بأس بها من المتأرجحة أصواتهم ، وقد يتعمق لدى الكثيرين طرح المؤامرة التي يقول بها ، وفي هذا خسارة كبيرة للديمقراطيين قبل الجمهوريين .
لم تعد إدارة ترامب بطة عرجاء ولا مشلولة ، بل ميتة ، وبخاصة في ظل إستقالات جماعية ، أشبه ما تكون بقفز الفئران من السفن قبل غرقها ، وهذه أسوا نهاية أدبية أو أخلاقية يمكن أن تتعرض لها إدارة أمريكية ولو لفترة واحدة .
يستطيع القارئ أن يقارب بين نهاية إدارتين ، شغلتا البيت الأبيض لأربع سنوات وليس أكثر ، الأولى إدارة جيمي كارتر، والذي وصفه ، نايجل هاميلتون ،كاتب سير العظماء ، ومؤلف كتاب " القياصرة الامريكيون "، بانه أنتقد في البداية وأحترم في النهاية ، كان مهزلة الجميع بداية ،ومحط إحترامهم لاحقا ، وبين نهاية الرئيس ترامب ، وما جرى من حولها ، وكيف للتاريخ أن يذكر الرجل ....
الخلاصة عزل ترامب من عدمه إختبار أخرمثير وخطير للأمة الأمريكية ، وقبل أن يكون للجمهورية ، فأنظر ماذا ترى ؟