بعد حظرها لحسابات ترامب... هل تمادت مواقع التواصل في تعاملها مع المستخدمين؟
طرحت أحداث الشغب الأخيرة على مبنى الكابيتول الأميركي، سؤالاً بارزاً حول أهمية الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإجتماعي في المشهد السياسي، وتحديداً بعد الإجراءات التي اتخذتها هذه المنصات تجاه حسابات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" ومناصريه.
وعشية اقتحام المبنى، والتغريدات المثيرة للجدل التي أطلقها ترامب حينها، بادر موقع "تويتر" أولاً الى حظر تغريداته ليعود بعدها الى إتخاذ قرار بحظر حسابه كلياً عن المنصة لاعتبار هذه التغريدات محرضة على العنف، الأمر الذي دفع بوسائل التواصل الأخرى كفايسبوك وإنستغرام ويوتيوب وحتى سناب شات الى اتخاذ إجراءات مماثلة، وإن كانت أقل حدة، من خلال توقيف حسابات ترامب لمدة معينة على ان يتم بحث إمكانية حظره كلياً عن هذه المنصات في الفترة القادمة.
وعلى الرغم من أن معركة "تويتر" مع ترامب ليست بجديدة وتعود لأشهر عدة، نتيجة لتغريدات ترامب المغلوطة والمسببة للجدل، إلا أن الأحداث الأخيرة والحظر الذي فرضه تويتر على حسابه وحسابات مناصريه البالغ عددهم 70 الف، نتج منها خسارة بقيمة 5 مليارات دولار من قيمتها السوقية مع إفتتاح الأسواق العالمية يوم الاثنين الفائت، ولكن الشركة قررت عدم التراجع وإعتبرت على لسان مؤسسها ورئيسها التفيذي "جاك دورسي" أن هذا القرار كان "خياراً صحيحاً".
أبعاد هذه الخطوة
تعود العلاقة المتوترة القائمة بين ترامب وهذه المنصات الى أيار (مايو) 2020، وذلك بعدما قام ترامب بتوقيع أمر تنفيذي يُقيد فيه السلطات الواسعة لهذه المنصات الإفتراضية.
ورغم أن هذه الشركات بررت إيقاف حسابات ترامب درءاً لمزيد من العنف والتحريض، إلا أن الخطوة كانت مصدر قلق مناصري حرية التعبير، حيث اعتبر المتحدث الرسمي باسم المستشارة "انغيلا ميركل" أن حقوقاً مثل حرية التعبير يمكن التقيد بها وفقاً للقانون وليس تبعاً لقرار الشركة، وهذا ما لقي صدى لدى الحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي.
"الحظر النهائي لحساب ترامب ومناصريه على تويتر جاء نتيجة اعتبار المنصة للتعابير التي استعملها وهو يخاطب مناصريه تحريضية ومشككة في نزاهة الانتخابات، وبالتالي هذه الخطوة لا تُعتبر سياسة تكميم للأصوات إما هي في سياق سياسة الأمان والخصوصية التي تضعها تويتر في أولوياتها"، يقول الدكتور فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي ومحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة، مضيفاً: "أن هذه المنصات هي في النهاية شركات خاصة، فإذا الرأي العام كان معترضاً على أفعال الرئيس او أحداث العنف التي حصلت، إذاً مصلحتهم تكمن في أن يدعموا هذا الرأي وليس العكس، لأن التوجه المعاكس سيؤثر سلباً فيهم، وبالتالي تبرز هنا الشجاعة في اتخاذ القرار الصحيح والإصرار عليه. على سبيل المثال، تويتر ذهب في خطوته للنهاية عبر حظره للحساب كلياً في حين فايسبوك ومنصاته كانا أكثر دبلوماسية في حظرهما الموقت للحسابات".
ويشير رمزي أن المنصات لم تتمادَ بسلطتها وقوتها لأنها في الأساس موجودة وتتحكم في كل الناس، وليس بإستطاعة أحد توقيفها كون مرجعهم الوحيد هو سياستهم للمحتوى، وهو ما يعتبر مرجعاً مقبولاً ومقنعاً عند فئة كبيرة من مستخدمي هذه المنصات.
ماذا عن تأثيرها في الآراء
بالتأكيد لوسائل التواصل الإجتماعي تأثيرٌ مباشر في آراء الشعوب، فالإعلام بشكل عام، والإعلام الرقمي بشكل خاص، هو سلاح التأثير الرئيسي في انطباعات وآراء الناس، وهذا ما يظهر جلياً من خلال تداول الناس لأخبار ومعلومات من شبكات التواصل غالباً ما تكون من مصدر غير موثوق وزائفة ( fake news).
وبحسب رمزي، فخير مثال على قوة تأثير هذه المنصات هي فضيحة شركة "كامبريدج أنالتيكا" المتخصصة في الإستشارات السياسية والتي شاركت في التأثير في مئات الانتخابات على مستوى العالم، لا سيما في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة بين ترامب وهيلاري كلينتون، والتي استخدمت فيها بعض الأدوات للتلاعب في خوارزميات فايسبوك لتظهر أكبر نسبة من المحتوى السلبي عن كلينتون على صفحات المستخدمين. اذاً المحتوى موجود على المنصة ولكن يمكن التلاعب بالخوارزميات عليها حتى يظهر بشكل مكثف لاستهداف مجموعة معينة من الناس وبالتالي تغيير آرائهم وانطباعتهم.
تراجع القيمة السوقية
يمكن القول إن الخسارة التي لحقت بموقع "تويتر" هي منطقية كون الموقع خسر شخصية جدلية الى جانب مئات الآلاف من المتابعين وهو ما أثار تخوف المستثمرين من تراجع التفاعل على المنصة، وبطبيعة الحال هذا ما تتكل عليه المنصات لإبقاء المستخدمين أكثر مدة عليها وبالتالي استهدافها بإعلانات متتالية.
ولكن ما يجب تسليط الضوء عليه، بحسب رمزي، هو أن هذه المنصات وتحديداً "تويتر" لم تعد أولويتها الحالية هي الربح السريع فقط، إنما "الثقة والمصداقية" هما العاملان الأساسيان اللذان تسعى المنصة لإثباتهما لأكثر عدد من الناس على المدى الطويل. وبالفعل تعتبر "تويتر" من أفضل المنصات في محاربة الأخبار الزائفة والمحتوى الضار وغير المرغوب به وذلك بشهادة تقرير "رويترز للإعلام الرقمي" العام الفائت.
في المحصلة، رغم كل العقبات السياسية التي تواجهها مواقع التواصل الإجتماعي اليوم، يمكن القول إنها لا تزال وسيلة مربحة للمستثمرين، وخير دليل على ذلك ما حصل مع "فايسبوك" العام الماضي عندما شُنت حملة مقاطعة ضده من قبل 1000 معلن أميركي بسبب مواقفه من ترامب وهذا ما ساهم في تقليل من ثقة المستثمرين في فايسبوك، إلا ان فايسبوك استطاع التعافي من ذلك كونه لا يزال يمتلك الحصة السوقية الأكبر ولا يوجد منافس قوي له من قبل منصات اجتماعية أخرى.
0 تعليق على موضوع : هل تمادت مواقع التواصل في تعاملها مع المستخدمين؟
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات