شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

دفاعاً عن سنة 2020


أيام معدودة وتقفل سنة 2020 أبوابها التي طفحت بغرائبياتها منذ مطلعها وعلى امتداد اثنتي عشر شهراً.
سبق للعرّافين أن حذّروا منها، كذلك فعل أقرانهم من المتعمقين في أسرار وعلوم دلالات الأرقام وحركة الكواكب، فرصدوا وقسّموا وجمعوا وطرحوا، ثم نبّهوا أن التكرار الرقمي دلالة غير مبشّرة، فلم ينصت إليهم أحد أو يكترث بمخاوفهم. 

قيل الكثير من المتخَّيل عن هذه السنة المثيرة، منه ما كان مرعباً أو مضحكاً أو عبثياً، وربما لو سئل أي فرد حول العالم عن رأيه مع اختتامها، لتمنى دون تردد أن يكسر خلفها "الجرّة" كي لا تعود، كما يفعل المشرقيون في تقاليدهم الشعبية، أو أن يمحوها من ذاكرته لشدة وقع الأحداث التي مرت فيها، كان الأبرز بينها دون منازع، جائحة كورونا المستمرة بشراسة أكبر حتى العام القادم.

أرقام السنوات هي مجرد محطات رقمية زمنية يسجلها البشر كفواصل كل حسب اختلاف حساباته

ستنتهي السنة بالنسبة لأتباع التقويم الميلادي المعتمد في معظم بلدان العالم، في حين أنها مازالت مستمرة بالنسبة لأتباع تقاويم أخرى مثل الهجري والصيني والكردي أو غيرها، مما يعني تباين الآراء واختلافهم حولها، وما قد رآه البعض شؤماً، رآه الآخر حظاً طيباً، وهو ما يدحض عنها نسبياً تهمة الكارثية، أو سوء الطالع الواقع على الجميع. ورغم اختلاف التقاويم، إلا أنها أعادت تحريض السؤال الوجودي المؤرق للإنسانية: هل هذا البلاء الذي شهدناه بتدبير من القضاء والقدر حقاً؟؟

في واقع الأمر، أرقام السنوات هي مجرد محطات رقمية زمنية يسجلها البشر كفواصل كل حسب اختلاف حساباته، الجامع بينهم أنهم جميعاً أسرى الزمن السرمدي، يقعون في وعاء الدهر الممتد منذ الأزل، يعبرون فيه ومعه، وهو يتابع سيره غير معني بمحطاتهم الدنيوية السعيدة أو الحزينة. لا يتحرر واحدهم منه إلا عند مغادرته الى الموت، حينها لا يتوقف تدفق الزمن، بل يتوقف فقط زمن الفرد، كأي كائن حي ضعيف وزائل.

هل علينا أن نصدق أن سنة 2020 هي المسؤولة عن هذه القسوة حقاً؟

في عمق هذه الأفكار الفلسفية التي نشطت هذه السنة بفضل استثنائيتها، يكمن جوهر ما عاشته البشرية، وهو قسوة المواجهة مع الذات من خلال مواجهة وجود الهش، وهي مواجهة غير جديدة، لطالما عاشتها البشرية وتجاوزتها مع محن لا تقل عنها، لكنها اتخذت هذه السنة لبوساً مختلفاً بسبب اختلاف طبيعة الجائحة الجديدة، والتي فرضت على الفرد المحاصر في المكان والزمان، أوقاتاً طويلة من التأمل، ومحاولة تفسير ما يحدث عبر طرح الأسئلة المتعلقة بالمصير الذاتي، ومصير أحبابه، وكيف يهرب من هذا المصير، ومتى وأين سينتهي بهم المطاف الذي بدا مسدوداً ومحكم الاغلاق؟

مشاعر قاسية تشبه هول اللحظات الأخيرة التي تخيلتها الأفلام السينمائية، أو ورد ذكرها في الكتب الدينية حول نهاية العالم، والأمر ليس بمبالغ به، إذ أن الكثيرين صدقوا أن ما يحدث هو من العلامات الأولى لهذه النهاية، واستعدوا لها فرادى وحيدين، وليس كجماعات متآزرة في المصير، وبحزن وأسى شديدين.

تضاعف هذه الأسى تباعاً مع ما فرضته الجائحة من عزل تسبب بانهيارات نفسية غير محدودة، كما تسبب بانهيارات عاطفية حادة جراء فرض الابتعاد عن الآخر والمخاطر المحتملة للآخر، وبخاصة المنع القسري المزدوج الذي مورس على مرضى الفايروس وأحبابهم، وعدم السماح لهم بالوداع، وقضاء لحظات الاحتضار بمفردهم، دون أن يمسك بيدهم قريب، أو يرأف بحالهم ويحتضنهم حبيب.

هل علينا أن نصدق أن سنة 2020 هي المسؤولة عن هذه القسوة حقاً؟

في الأيام الأولى من شهر يناير2020 أسقطت الطائرة الأوكرانية التي تحمل على متنها 176 راكباً بصاروخ إيراني، فهل كان موت هؤلاء قضاء وقدراً أم صناعة بشرية إجرامية؟

ولأن هذه السنة متهمة مسبقاً بتحمل كل ما يحدث، كان المطلوب من السذج تصديق رواية أن القدر هو من وضع المواد المتفجرة في مرفأ بيروت ونسيها لسنوات ثم اختار الزمن المناسب لإشعال الشرارة وتدمير ثلث عاصمة وإلصاق التهمة بها بحيث تبدو حادثاً قدرياً مضافاً لسلسة كوارثها.

وماذا عن الانهيار الذي أصاب معيشة السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، وحبس أموال المودعين اللبنانيين وإغلاق أبواب المصارف في وجوههم، والتلويح بالمجاعة في عدد من هذه البلدان المنكوبة؟!!

أما الرواية الأكثر إحكاماً، تلك المتعلقة بفايروس كورونا المستجد الذي ولد من رحم ذاته داخل طبق حساء، ثم تسلل ليلاً في غفلة عن الحراس من المختبر الصيني، وركب الطائرة وسافر إلى جميع بلدان العالم، وبدأ بتطوير نفسه ونشر سلالات جديدة له تحت عين القدر ورضاه!!

تكمن الإجابات عن هذه التساؤلات المشروعة، فيما استخلصه الفرد من درس نتيجة لتجربة تأملاته الوجودية ومواجهته لذاته، حيث بات يدرك في قرارة نفسه أن ما يحدث ذي صلة خبيثة أكيدة بصناعة بشرية، وأن القدر منضبط بقوانينه الخاصة ولا يبيت سوءاً للبشر. وبناء عليه، يمكن تبرئة سنة 2020 من السمعة السيئة التي ألصقت بها، والانطلاق ببعض التفاؤل والقوة نحو سنة جديدة عبر استعادة الصحوة والقوة الذاتية للإنسانية، والتصدي لمن يعبثون بها ويغرقونها بكل هذه الأذيات.
هل سننجح أم لا، الأمر يتوقف على الارادة الجماعية التي أراد الأشرار تعطيلها من جوهر الحياة، وكل عام والبشرية معافاة منهم.

كاتب الموضوع

فاطمة السروجي

0 تعليق على موضوع : دفاعاً عن سنة 2020

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017