موقف مؤسسة الأزهر الأخير من قضايا التحرش كان موقفا شجاعا متنورا جميلا يستحق أن نهنئها عليه.
حين تأخذ بعض المؤسسات مواقف منافية لحقوق الإنسان أو ضد الحريات، فنحن ننتقدها بشدة. لكنها، حين تأخذ مواقف جريئة وجميلة تضع الإنسان وكرامته وحقوقه في صلب النقاش، فعلينا أيضا أن ننوه بهذا الموقف ونثمنه.
يقولون إن دور الإعلام أن يتحدث عن القطار الذي يأتي متأخرا وليس عن القطار الذي يحضر في موعده (لأن هذا يفترض أن يكون الطبيعي). لكن، في تاريخ وفي جغرافيات تتأخر فيها الكثير من القطارات، سيكون جميلا وإيجابيا أن نشجع القطار الذي يصل في الموعد، لأنه بداية خطوة نحو التغيير.
وموقف الأزهر خطوة جميلة تستحق أن نتوقف عندها.
لكن…
الأزهر وغيره من المؤسسات وضعوا الكثير من الحواجز على طريق القطار، بحيث أصبح اليوم الطريق وعرا واحتمال الحوادث كبيرا.
انتشر في معظم مجتمعاتنا خطاب التدين بشكله العنيف (الإقصاء، التكفير، إلخ) وتقلصت القيم حتى كادت أن تنعدم
سنوات طويلة من التجهيل ونشر أفكار العنف والتطرف وإقصاء الآخر المختلف وتشيء المرأة وتحويلها لوعاء جنسي لا يصلح إلا للإنجاب وإشباع متعة الرجل الجنسية... سنوات طويلة من التكفير ونبذ الآخر (المسيحيون، المثليون، اللادينيون، إلخ) كل هذا جعل العقليات اليوم رافضة لكل خطاب تنويري، حتى لو كان من قلب المنظومة الدينية!
أصبح كثير من المسلمين اليوم يرفضون أي خطاب يدعو للتعايش واحترام الآخر.
في نفس الوقت، ترسخت صورة سلبية جدا للمرأة وللعلاقة بين الرجل والمرأة، على مدى عقود من الزمن، بحيث أصبح من المعقد جدا تغيير العقليات. المرأة هي الوعاء الجنسي. التحرش مسؤوليتها (حتى وهي ضحية). العلاقات الجنسية خارج الزواج مسؤوليتها (حتى وهما شريكان في العلاقة). الاغتصاب مسؤوليتها (حتى وهي ضحية). الجفاف مسؤوليتها (لأن ملابس النساء تتسبب في الجفاف، رغم أن الأوروبيات والأميركيات يرتدين ملابس قصيرة، وسماؤهم معطاءة). الفقر. البطالة. العنف في الفضاء العام. ثقب الأوزون. انتشار الأمراض والأوبئة. التسونامي…
نحتاج لعقود من البناء. لكن، ما لم نبدأ اليوم، فسيتأخر القطار كثيرا. وقد يتعثر في الطريق أو لا يصل بتاتا!
من جهة ثالثة، انتشر في معظم مجتمعاتنا خطاب التدين بشكله العنيف (الإقصاء، التكفير، إلخ) وتقلصت القيم حتى كادت أن تنعدم. السرقة، الغش، التحرش، الاغتصاب، انعدام الأمان في الفضاء العام، العنف الأسري وفي الفضاء العام، الرشوة، إلخ. بمعنى أن الكثيرين يتغنون بشعارات التدين، لكنهم في سلوكياتهم اليومية بعيدون عن قيم التدين. كثيرون يتحدثون عن الإسلام كدين للتسامح لكنهم في نفس الوقت مستعدون لتكفير المختلف وسب المثلي وتكفير من يهنئ الغير بالسنة الميلادية الجديدة (رغم أنهم قد لا يعرفون تاريخ ميلادهم بالتقويم الهجري!).
نحتاج اليوم لبناء علاقات إنسانية سوية. نحتاج لتطوير القيم خارج الشعارات الفارغة. نحتاج لدعم قيم التعايش واحترام الآخر... وفي هذا، نحتاج لأكثر من موقف من الأزهر وغيرها من المؤسسات.
واقعنا اليوم هو نتيجة عقود من خطابات الكراهية وفتاوى العنف من الأزهر ومن عدد من مشايخ القنوات الدينية والمنابر المتطرفة. واقعنا اليوم نتيجة مقررات مدرسية نحتاج لمراجعتها بعمق، ليس فقط فيما يتعلق بمنهاج التربية الإسلامية، بل حتى فيما يتعلق بمحتويات مواد تعليمية أخرى ترسخ التقسيم الكلاسيكي للأدوار بين الجنسين أو تكرس العنف والكراهية ضد الآخر المختلف.
كما احتاج الأمر لعقود من التجهيل تم تمويلها من جهات متعددة لكي نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم... فسنحتاج لعقود أخرى من البناء. لكن، ما لم نبدأ اليوم، فسيتأخر القطار كثيرا. وقد يتعثر في الطريق أو لا يصل بتاتا!
0 تعليق على موضوع : قطار الأزهر الذي قد يتعثر // بقلم : سناء العاجي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات