آيسكريم رئيسة مجلس النواب!

في خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت أمريكا تعيش حربا ضروسا مع نفسها، فقد وصل المواطنون السود إلى درجة الإنفجار، نتيجة لسياسات التفرقة العنصرية ضدهم في ولايات الجنوب، وهي الفترة التي شهدت بروز قيادات حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كنج ومالكوم إكس.

ولا شك أن أكثر ما أشعل ثورة السود هو ما فعلته المواطنة السمراء، روزا بارك، التي رفضت أن تقوم من مقعدها ليجلس عليه رجل أبيض، كما ينص على ذلك قانون التفرقة العنصرية ، وقد حدثت أحداث جسام خلال تلك الفترة ، مثل تفجير كنيسة للسود في ولاية الاباما وقتل بعض دعاة الحقوق المدنية، وانتهت تلك الحرب الضروس بتوقيع الرئيس، ليندون جانسون، على قانون الحقوق المدنية، وانتهاء العنصرية رسميا، وذلك في عام 1968، وهو إنجاز تاريخي لهذا الرئيس، الذي لم يكن ليصل للرئاسة ، لولا مقتل الرئيس جون كينيدي ، اذ تسنم نائبه جانسون الرئاسة ، كما ينص على ذلك الدستور الأمريكي.  

أمريكا اليوم تمر بحرب مماثلة، ليست عرقية مثل سابقتها، بل إيدولوجية ، وكانت بوادرها قد بدأت مع انتخاب الرئيس باراك أوباما، إذ كانت ردود فعل المحافظين على ذلك عنيفة، فأوباما ديمقراطي يساري، ثم جاء فوز الرئيس اليميني دونالد ترامب، لتصل الحرب الإيدولوجية ذروتها، فلم يستسغ اليسار فوز رئيس بإيدولوجية شديدة المحافظة، وانتهى الأمر بحرب ديمقراطية يسارية ضدة، شهدت فصولا كثيرة، في محاولات لعزله، أو على الأقل التشويش عليه والتغطية على إنجازاته، خصوصا ما يتعلق بالشأن الإقتصادي.

وجدير بالذكر أن ترامب نفّذ معظم وعوده للناخبين، وهو أمر غير معتاد، إذ جرت العادة أن يتنصل المرشحون من وعودهم الإنتخابية بعد الفوز، وسبب ذلك هو أن ترامب جاء من خارج المؤسسة الرسمية، وبالتالي أصبح رئيسا مختلفا، لا تعنيه بروتوكولات واشنطن في شيء، فما يعنيه هو الناخب الذي أوصله إلى المكتب البيضاوي.

مع أزمة كورونا، التي تضرب أمريكا بقوة بدا الأمر لأول وهلة وكأن الفرقاء الحزبيون ( الجمهوريون والديمقراطيون ) سوف يتناسون خلافاتهم، فصحة وحياة المواطن الأمريكي على المحك.

ولكن ذلك لم يستمر طويلا، فقد عاد الإعلام المضاد لترامب لكيل الإتهامات له، وتصيد أخطائه، وترامب كعادته لا يمكن أن يصمت، فالديمقراطيون يتهمونه بأنه يستغل المؤتمر الصحفي اليومي بخصوص كورونا للدعاية الإعلامية، وهو يتهمهم بأنهم لا يتعاونون معه في الكونغرس من أجل استصدار تشريعات تخدم المواطنين الأمريكيين، خصوصا أصحاب المشاريع الصغيرة المتضررين من تعطل النشاط الإقتصادي، والواقع هو أن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، عطّلت عمل مجلس النواب، ثم وفي خطوة غير مفهومة، ظهرت في فيديو من منزلها الفاخر، واستعرضت على الجمهور الأمريكي تشكيلة الايسكريم الموجودة في برّادة منزلها، وهذا السلوك غير المفهوم أغضب شرائح واسعة من الشعب الأمريكي، الذين يعيش معظمهم في بطالة بسبب تعطل الاقتصاد، وهنا نتساءل من هو الذي يعمل لمصلحة الشعب الأمريكي: ترامب أم بيلوسي؟، ولعل ما ورد في المقال يجيب!.