العمل أم العزل؟ البشرية في مواجهة مصيرها
سيكون علينا أن أن نقارن بين موتين: الموت بكورونا والذي يمكن أن لا يقع؛ والموت من الجوع الذي يقع بطريقة مؤكدة.
الأحد 2020/04/12
أي كورونا؟ انه الفقر
"سيعود الفايروس بطريقة قاتلة في حال رفع العزل." ذلك ما تقوله منظمة الصحة الدولية. ولكن البشرية في حاجة إلى أن تعمل.
عداد الموتى يشير إلى ما يزيد عن مئة الف هم ضحايا كورونا غير أن عداد العاطلين عن العمل يشير إلى ملايين صارت تمشي مسرعة في اتجاه الفقر والعوز بل والجوع.
هلع كورونا لم يسبقه هلع شبيه. الحروب مهما عظمت وتعددت الأطراف المشاركة فيها كانت محصورة بحدود واضحة. حرب كورونا ليست كذلك. العالم بالنسبة لها مفتوح الحدود أو من غير حدود.
اتحدت البشرية كلها بغض النظر عن انظمتها السياسية في مصير واحد. صارت قوة الدولة تتجسد في قدرتها على حماية مواطنيها. ذلك ميزان عادل. غير أن تلك الحماية قد انطوت على تقييد للحريات التي هي جوهر الحياة. ولكن الحياة نفسها صارت مهددة.
دائرة مغلقة هي إذن.
هناك مَن يفكر بطريقة مختلفة. لقد توقفت الدورة الاقتصادية عن العمل الكامل. لا أحد يصرح بالخسائر المادية خشية الاحراج في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها البشرية. أرقام الموتى صادمة. أن تفقد بريطانيا ألف شخص في يوم واحد. تلك مأساة عظمى تهون أمامها الخسائر المادية. ذلك ما يجب أن يُقال مراعاة للشرط الإنساني. غير أن التفكير الرأسمالي لا يستوي مع ذلك الشرط. وهو ما سنتعرف عليه في مرحلة ما بعد كورونا.
بين حين وآخر تظهر أرقام بمليارات الدولارات هي خسائر الشركات عابرة الحدود التي استجابت لأوامر الدول وأوقفت عملها مضطرة غير أنها لا تصرح بحقيقة الوضع الإنساني الذي نتج عن ذلك الإغلاق.
في حقيقة الأمر هناك حطام بشري يقع في جانب معتم عليه. لم يسمع أحد بحشود الهنود المحرومين من العودة إلى ديارهم بسبب اغلاق الحدود بين الولايات وهم الذين فقدوا مصادر رزقهم بعد أن أغلقت المصانع العالمية أبوابها. ذلك مثل حي على الفجيعة.
لا أعتقد أن قرار العزل الصحي بالطريقة التي نفذ من خلالها كان قرارا صائبا.
كان من الممكن أن يطبق مبدأ التباعد الاجتماعي من غير اللجوء إلى غلق المصانع وهو ما فعلته السويد ونجحت فيه.
تعرضت السويد للوم من ناحية ومن ناحية أخرى ندمت الدنمارك لأنها لم تفعل ما فعلته السويد. هناك حيرة لم تظهر بعد ملامحها الواقعية. غير أن الخوف يظل مثل خيط رفيع يفصل بين الجانبين.
ربما كان تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الأكثر تعبيرا عن الواقع. لقد اعتبر العودة إلى الحياة الطبيعية أصعب قرار يتخذه في رئاسته.
ما تفكر فيه دول العالم الصناعي لا يصلح مقياسا للتفكير في الدول المتخلفة.
سيكون علينا أن أن نقارن بين موتين. الموت بكورونا والذي يمكن أن لا يقع والموت من الجوع الذي يقع بطريقة مؤكدة.
لقد جرت حماية الجنس البشري بطريقة لم تأخذ بنظر الاعتبار ما يمكن أن يحدث في البلدان التي لا يتمتع مواطنوها أصلا بحق الحماية. كانت الفوضى مفاجأة ولم يكن هناك تنسيق بين الدول في ذلك الوقت الضيق الذي ارتكبت فيه أخطاء بشعة دفع ثمنها الضعفاء.
عالم ما بعد كورونا سيكون كئيبا. تلك فكرة يعنى بها الأغنياء. اما الفقراء فقد دفعوا الثمن في وقت قياسي. ففي دول كثيرة حرم منع التجوال فئات كثيرة من مصادر رزقها. سيُقال بترف إن على تلك الفئات أن تنتظر. ولكن الحقيقة ليست كذلك. تلك الفئات تعمل لتغطي حاجتها إلى البقاء بشكل يومي. ليست هناك قوانين تضمن لها ما يغطي حاجاتها اليومية في العيش.
فضحت عاصفة كورونا المسافة التي تفصل بين عالمين. غير أنها في الوقت نفسه كشفت عن غباء الأنظمة الرثة التي تحكم في الدول المتخلفة. تلك الأنظمة لم تتعامل بما يتسق مع طرق وأساليب العيش التي تتبعها الشعوب التي تحكمها. وهو نهج لم يمنع كورونا من الانتشار اضافة إلى أنه الحق ضررا كبيرا بالفئات الضعيفة.
0 تعليق على موضوع : العمل أم العزل؟ البشرية في مواجهة مصيرها
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات