ليس امام حسان دياب سوى مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها.
الأربعاء 2020/03/11
برلمان بحاجة إلى التطهير
من المفيد بين حين وآخر اللجوء الى المنطق والتمتع بمقدار ولو قليل من التواضع والواقعية. مناسبة هذا الكلام الكلمة التي القاها رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسّان دياب السبت الماضي واعلن فيها امتناع لبنان عن تسديد الدين المتوجب عليه بموجب سندات يوروبوند. هناك أموال مستحقّة على لبنان اقترضها البلد عن طريق اصدار سندات دولية باليورو. صار لبنان عاجزا عن تسديد المتوجب عليه في ضوء الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه.
لا ينفع في ذلك الكلام عن الفساد وكيف تطوره في لبنان ووصوله الى مرحلة "الوقاحة" و"الفجور". ما ينفع هو هل لدى هذه الحكومة حلول للخروج من الانهيار الذي حصل بدل الاكتفاء بالقاء اللوم على الماضي. أسوأ ما في كلام حسّان دياب عن الماضي انّه لا يفرّق بين مرحلة وأخرى ولا يشير لا من قريب او بعيد الى من تسبّب بارتفاع الدين. الأخطر من ذلك كلّه انّه لا يتحدث عن ملفّ الكهرباء الذي يتولاه التيّار العوني منذ احد عشر عاما. تسبب ملفّ الكهرباء وحده في جعل الدين يرتفع أربعين مليار دولار!
حسنا، اذا كان حسّان دياب لا يريد الاصطدام بـ"التيّار الوطني الحر" الذي اسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون ويتولّى رئاسته حاليا جبران باسيل، هل يستطيع الذهاب الى ما هو مصدر كلّ العلل في لبنان، أي الى السلاح غير الشرعي الذي تحمله ميليشيا "حزب الله" والذي يستخدم في جعل لبنان في محور معيّن يسمّى "محور الممانعة". ان وضع لبنان نفسه في هذا المحور جعله في عزلة عربية ودولية وجعل رئيس الحكومة يتحدّث الى نفسه في الخطاب الذي القاه أخيرا للإعلان عن عجز لبنان عن تسديد دينه.
هذه المرّة الاولى التي يمتنع فيها لبنان، الذي ينوء تحت دين عام كبير، يصل الى نحو تسعين مليار دولار، عن تسديد المتوجب عليه. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بحدّة هل ضمن البلد لنفسه حقّ التفاوض من اجل جدولة ديونه بطريقة تتقبّلها المؤسسات المالية الدولية والدول الصديقة، في مقدّمها الدول العربية، التي كانت مستعدّة في الماضي لمساعدة لبنان؟
من الواضح انّه لم يحدث شيء من هذا القبيل، خصوصا ان لبنان لم يهيّء نفسه لمرحلة ما بعد الامتناع عن تسديد الدين. اعلن امتناعه عن التسديد ثم قرّر التفاوض. لا تعكس مثل هذه الخطوة وجود قيادة سياسية مسؤولة عن مصير البلد بمقدار ما تعكس رغبة في ادخال البلد في المجهول... أي السير على طريق فنزويلا التي أدخلت نفسها في حال من الفوضى والفقر من الصعب معرفة هل ستخرج منها في يوم من الايّام.
كان مهمّا تشريح رئيس الحكومة للوضع اللبناني وصولا الى الاعتراف بان "لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة جدّا" وانّ "احتياطنا من العملات الصعبة بلغ مستوى حرجا وخطيرا". ولكن ماذا بعد ذلك؟
ليس امام رئيس مجلس الوزراء سوى مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها. لذلك، ثمّة حاجة الى حد ادنى من التواضع والمنطق. الحقيقة تقول ان لا مستقبل للبنان من دون دعم خارجي. لا يستطيع حسّان دياب الحصول على هذا الدعم الخارجي لسببين واضحين. السبب الاوّل انّه ليس مقبولا عربيا والأخر انّه لا يريد التعاطي مع صندوق النقد الدولي بعدما وضع "حزب الله" فيتو على مثل هذا التعاطي. الى اشعار آخر، ليس امام لبنان سوى طريقين لا ثالث لهما. الاوّل إعادة فتح القنوات مع العرب القادرين الذين يعانون بدورهم الآن من هبوط سعر برميل النفط، والثاني هو طريق صندوق النقد الذي سدّه "حزب الله". اما طريق الإصلاحات الذي تحدّث عنه رئيس الحكومة والتي طالب به مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل 2018 بفضل الرئيس سعد الحريري اوّلا وأخيرا، فانّ هذا الطريق مغلق. لا إصلاحات ممكنة في بلد يحكمه سلاح غير شرعي يوظّف في خدمة المشروع التوسّعي الايراني.
في نهاية المطاف، لا يهمّ "حزب الله" بقاء لبنان من عدمه. يهمّه ماذا تريد ايران لا اكثر. لقد تغاضى "حزب الله" عن كلّ ما فعله العونيون في قطاع الكهرباء نظرا الى حاجته الى غطاء مسيحي. هل لدى حسّان دياب الجرأة الكافية لفتح ملفّ الكهرباء...ام ان اجندته هي اجندة "حزب الله" التي تقوم على مهاجمة المصارف اللبنانية وان بكلام لا يدلّ سوى على قلّة معرفة بلبنان وتاريخ لبنان وأسباب ازدهار البلد في الماضي ولماذا استطاعت المصارف ان تكون عائقا في طريق الانهيار بعد الخطيئة الاصليّة المتمثّلة في توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. وقّع لبنان وقتذاك على نهايته التي يبدو انّها ستكون هذه المرّة على يد سلاح "حزب الله" وليس السلاح الفلسطيني.
كلّ كلام من نوع "اننا لا نحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا، لذا، يجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي" ينمّ عن تجاهل لاسباب صمود لبنان من جهة ورغبة في دفع البلد في اتجاه المجهول الفنزويلي من جهة أخرى. اليست المصارف جزءا من الاقتصاد الوطني؟
كان هناك بريق امل بانّ "حزب الله" سيدفع في اتجاه إعطاء هامش للمناورة للحكومة حرصا منه على أموال المودعين اللبنانيين في المصارف، بما في ذلك أموال أبناء الطائفة الشيعية الذين سافر بعضهم الى آخر بقاع الأرض من اجل تأمين حياة افضل لافراد عائلته.
ما كشفه الخطاب الأخير لرئيس الحكومة انّ المطلوب بقاء لبنان "ساحة". بكلام أوضح، مطلوب ان يبقى لبنان ورقة إيرانية في وقت تمرّ "الجمهورية الإسلامية" في ازمة عميقة سيكون من الصعب ان تخرج منها سليمة ومعافاة. كذلك، من الصعب ان تتمكن من المحافظة على مشروعها التوسّعي الذي صار لبنان جزءا لا يتجزّأ منه.
الأكيد ان الحكومة الحالية لن تتمكن من إيجاد أي مخرج من حال الانهيار. جاءت لتكريس هذه الحال. الدليل ان ليس لديها ايّ جواب عن اسئلة بسيطة يطرحها اللبنانيون: اين اموالنا المودعة في المصارف؟ اين السياحة؟ اين التجارة مع الخارج؟ اين الموقف الواضح من تصدير ايران للكورونا الى لبنان؟
هناك خلاصة واحدة لخطاب حسّان دياب. تقول هذه الخلاصة: لا تستطيع هذه الحكومة حماية أموال اللبنانيين ولا تستطيع حماية صحّتهم أيضا... لذلك، يبدو التواضع اكثر من ضروري في هذه الايّام.
برلمان بحاجة إلى التطهير
من المفيد بين حين وآخر اللجوء الى المنطق والتمتع بمقدار ولو قليل من التواضع والواقعية. مناسبة هذا الكلام الكلمة التي القاها رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسّان دياب السبت الماضي واعلن فيها امتناع لبنان عن تسديد الدين المتوجب عليه بموجب سندات يوروبوند. هناك أموال مستحقّة على لبنان اقترضها البلد عن طريق اصدار سندات دولية باليورو. صار لبنان عاجزا عن تسديد المتوجب عليه في ضوء الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه.
حسنا، اذا كان حسّان دياب لا يريد الاصطدام بـ"التيّار الوطني الحر" الذي اسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون ويتولّى رئاسته حاليا جبران باسيل، هل يستطيع الذهاب الى ما هو مصدر كلّ العلل في لبنان، أي الى السلاح غير الشرعي الذي تحمله ميليشيا "حزب الله" والذي يستخدم في جعل لبنان في محور معيّن يسمّى "محور الممانعة". ان وضع لبنان نفسه في هذا المحور جعله في عزلة عربية ودولية وجعل رئيس الحكومة يتحدّث الى نفسه في الخطاب الذي القاه أخيرا للإعلان عن عجز لبنان عن تسديد دينه.
هذه المرّة الاولى التي يمتنع فيها لبنان، الذي ينوء تحت دين عام كبير، يصل الى نحو تسعين مليار دولار، عن تسديد المتوجب عليه. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بحدّة هل ضمن البلد لنفسه حقّ التفاوض من اجل جدولة ديونه بطريقة تتقبّلها المؤسسات المالية الدولية والدول الصديقة، في مقدّمها الدول العربية، التي كانت مستعدّة في الماضي لمساعدة لبنان؟
من الواضح انّه لم يحدث شيء من هذا القبيل، خصوصا ان لبنان لم يهيّء نفسه لمرحلة ما بعد الامتناع عن تسديد الدين. اعلن امتناعه عن التسديد ثم قرّر التفاوض. لا تعكس مثل هذه الخطوة وجود قيادة سياسية مسؤولة عن مصير البلد بمقدار ما تعكس رغبة في ادخال البلد في المجهول... أي السير على طريق فنزويلا التي أدخلت نفسها في حال من الفوضى والفقر من الصعب معرفة هل ستخرج منها في يوم من الايّام.
كان مهمّا تشريح رئيس الحكومة للوضع اللبناني وصولا الى الاعتراف بان "لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة جدّا" وانّ "احتياطنا من العملات الصعبة بلغ مستوى حرجا وخطيرا". ولكن ماذا بعد ذلك؟
ليس امام رئيس مجلس الوزراء سوى مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها. لذلك، ثمّة حاجة الى حد ادنى من التواضع والمنطق. الحقيقة تقول ان لا مستقبل للبنان من دون دعم خارجي. لا يستطيع حسّان دياب الحصول على هذا الدعم الخارجي لسببين واضحين. السبب الاوّل انّه ليس مقبولا عربيا والأخر انّه لا يريد التعاطي مع صندوق النقد الدولي بعدما وضع "حزب الله" فيتو على مثل هذا التعاطي. الى اشعار آخر، ليس امام لبنان سوى طريقين لا ثالث لهما. الاوّل إعادة فتح القنوات مع العرب القادرين الذين يعانون بدورهم الآن من هبوط سعر برميل النفط، والثاني هو طريق صندوق النقد الذي سدّه "حزب الله". اما طريق الإصلاحات الذي تحدّث عنه رئيس الحكومة والتي طالب به مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل 2018 بفضل الرئيس سعد الحريري اوّلا وأخيرا، فانّ هذا الطريق مغلق. لا إصلاحات ممكنة في بلد يحكمه سلاح غير شرعي يوظّف في خدمة المشروع التوسّعي الايراني.
في نهاية المطاف، لا يهمّ "حزب الله" بقاء لبنان من عدمه. يهمّه ماذا تريد ايران لا اكثر. لقد تغاضى "حزب الله" عن كلّ ما فعله العونيون في قطاع الكهرباء نظرا الى حاجته الى غطاء مسيحي. هل لدى حسّان دياب الجرأة الكافية لفتح ملفّ الكهرباء...ام ان اجندته هي اجندة "حزب الله" التي تقوم على مهاجمة المصارف اللبنانية وان بكلام لا يدلّ سوى على قلّة معرفة بلبنان وتاريخ لبنان وأسباب ازدهار البلد في الماضي ولماذا استطاعت المصارف ان تكون عائقا في طريق الانهيار بعد الخطيئة الاصليّة المتمثّلة في توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. وقّع لبنان وقتذاك على نهايته التي يبدو انّها ستكون هذه المرّة على يد سلاح "حزب الله" وليس السلاح الفلسطيني.
كلّ كلام من نوع "اننا لا نحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا، لذا، يجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي" ينمّ عن تجاهل لاسباب صمود لبنان من جهة ورغبة في دفع البلد في اتجاه المجهول الفنزويلي من جهة أخرى. اليست المصارف جزءا من الاقتصاد الوطني؟
كان هناك بريق امل بانّ "حزب الله" سيدفع في اتجاه إعطاء هامش للمناورة للحكومة حرصا منه على أموال المودعين اللبنانيين في المصارف، بما في ذلك أموال أبناء الطائفة الشيعية الذين سافر بعضهم الى آخر بقاع الأرض من اجل تأمين حياة افضل لافراد عائلته.
ما كشفه الخطاب الأخير لرئيس الحكومة انّ المطلوب بقاء لبنان "ساحة". بكلام أوضح، مطلوب ان يبقى لبنان ورقة إيرانية في وقت تمرّ "الجمهورية الإسلامية" في ازمة عميقة سيكون من الصعب ان تخرج منها سليمة ومعافاة. كذلك، من الصعب ان تتمكن من المحافظة على مشروعها التوسّعي الذي صار لبنان جزءا لا يتجزّأ منه.
الأكيد ان الحكومة الحالية لن تتمكن من إيجاد أي مخرج من حال الانهيار. جاءت لتكريس هذه الحال. الدليل ان ليس لديها ايّ جواب عن اسئلة بسيطة يطرحها اللبنانيون: اين اموالنا المودعة في المصارف؟ اين السياحة؟ اين التجارة مع الخارج؟ اين الموقف الواضح من تصدير ايران للكورونا الى لبنان؟
هناك خلاصة واحدة لخطاب حسّان دياب. تقول هذه الخلاصة: لا تستطيع هذه الحكومة حماية أموال اللبنانيين ولا تستطيع حماية صحّتهم أيضا... لذلك، يبدو التواضع اكثر من ضروري في هذه الايّام.
0 تعليق على موضوع : قليل من التواضع ضروري في لبنان // بقلم : خير الله خير الله
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات