بالرغم من تأكيد وزير المالية ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي خلال المؤتمر الصحفي المشترك يوم الخميس الماضي من أن مضامين البرنامج الجديد مع الصندوق تختلف عن البرامج السابقة، إلا أن قراءة سريعة لما أعلن عنه من هذا البرنامج حتى الآن، يظهر أنه لا يختلف كثيرا عن ما سبقه من برامج.
المضامين الأساسية للبرنامج الاقتصادي الجديد كما أعلن عنها في المؤتمر الصحفي تؤشر بوضوح، أن الجديد يتمثل فقط في قيمة القرض الذي ستحصل عليه الحكومة من قبل الصندوق وآلية استخدامه، والذي سيصل إلى ما يقارب 1.3 مليار دولار لبرنامج مدته أربع سنوات، مقارنة مع قيمة القرض السابق الذي بلغ 723 مليون دولار لبرنامج مدته ثلاث سنوات.
لا خيارات ولا سياسات اقتصادية مختلفة في هذا البرنامج، لأن البرامج السابقة كانت تستهدف أيضا التركيز على الإصلاحات الهيكلية وتخفيض عجز الموازنة، ودفع عجلة النمو وخلق الوظائف الجديدة والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، إضافة إلى تعزيز كفاءة عمليات التحصيل الضريبي، وتعزيز الشفافية وشبكة الأمان الاجتماعي، وحتى في الجانب المتعلق بملكية البرنامج فقد كانت الحكومات السابقة تعلن عن الدوام أنها أعدت بأيدي أردنية لتحقيق مصالح وطنية.
إلى جانب ذلك، فإن استهداف استقرار الدين العام وتخفيضه كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، كان أحد أهداف البرامج السابقة، وكان هدفا معلنا لكافة الحكومات الأردنية منذ أكثر من ثلاثين عاما.
كذلك فإن مراجعة أسعار الكهرباء وما يطلق عليه (إيصال الدعم لمستحقيه) كما جاء على لسان وزير المالية الأردني ورئيس بعثة الصندوق، ومراجعة أسعار الطاقة وخاصة الكهرباء على القطاعات الإنتاجية لتعزيز تنافسيتها وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، فكانت متلازمة لغالبية برامج “الإصلاح” الاقتصادي السابقة، ومكونا أساسيا للتقارير الصادرة عن بعثات الصندوق السابقة الخاصة بالأردن.
أما بخصوص التخفيف من ت
كاليف تشغيل العمالة في الشركات الناشئة، فقد استبقت الحكومة والبرلمان قبل عدة أشهر هذا الاجراء بتعديلات على قانون الضمان الاجتماعي حرمت من خلالها العاملين والعاملات الذين تقل أعمارهم عن 28 عاما في هذه الشركات من بعض الحمايات الاجتماعية، والتي جاءت بديلا لمقترحات الصندوق السابقة الرامية إلى تخفيض اقتطاعات الضمان الاجتماعي دون المساس بمنافع المشتركين، باعتبار أن هذه الاقتطاعات مرتفعة.
أما بخصوص عدم شمول البرنامج الاقتصادي الجديد لأية زيادات في الضرائب، فهذا ناجم بشكل رئيسي عن أن الحكومة قامت برفعها في اطار البرنامج السابق كما يريد الصندوق، الى جانب أن العبء الضريبي في الأردن وصل الى حد الاشباع، فمعدلات الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية وغيرها) مرتفعة جدا، وأية زيادات عليها ستكون بمثابة الانتحار.
ندرك جميعا أن تطبيق برنامج اقتصادي مع صندوق النقد الدولي وبموافقته أمر ضروري، فبدون ذلك لن يتمكن الأردن من الحصول على مساعدات (قروض ومنح) من الدول الكبرى ومن المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وندرك كذلك أن جانبا كبيرا من السياسات التي يوافق عليها الصندوق هي إجراءات قاسية اجتماعيا، ونقبل عليها للضرورة.
اللافت في المؤتمر الصحفي المشترك، أن وزير المالية ورئيس بعثة الصندوق أعلنا انتقادهم “المبطن” للبرامج الاقتصادية السابقة وآليات تطبيقها، وهذا يبرئ ساحة منتقدي ما كان يطلق عليه برامج “اصلاح اقتصادي” خلال السنوات الماضية، وكانت الحكومات تتهمهم آنذاك بالعمل ضد مصالح الأردن أو بالجهل.
هذا يدعونا للتوقف عن التعامل مع هذه الإجراءات الاقتصادية المكررة منذ ثلاثة عقود باعتبارها سياسات فريدة من نوعها، ويتم الإعلان عنها بصورة احتفالية وباعتبارها إنجازات حكومية، فهي ببساطة ليست سوى متطلبات وضرورات على الحكومة الالتزام بها ان ارادت التعامل مع الصندوق.
0 تعليق على موضوع : ما الجديد في برنامج صندوق النقد الدولي // بقلم : احمد عوض
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات