تابعت عن كثب الدعوات الكثيرة التي يتم اطلاقها بين الحين والأخر عن ضرورة اصلاح النظام السياسي في مصر ، ورغم وجاهة تلك الدعوات واحترامى الشديد وتقدير الخاص لمن يطلقها ، الا انها تعتمد على عنصر أساسي واحد ووحيد وهو دمج الأحزاب السياسية التي تزيد عن 100 حزب في تحالفات .
هذا العنصر يختصر شكليا زحمة الخريطة الحزبية التي تمتلء بكيانات واشباه كيانات سياسية، ولكنه في حقيقة الامر يزيد من الشكوك في إمكانية تحقيقه بين حالة الجمود الفكرى التي اصابت أجيالا من أبناء الأحزاب التاريخية وطموح ورغبة بعض الشخصيات الشابة في الطهور وتولى مناصب سيادية .. وجميعهم يرون انهم اثروا بشكل او بآخر في المشهد السياسي منذ احداث يناير 2011 وهم الآن الاحق بجنى ثمار المرحلة وربما ودون الخوض في تفاصيل لا داعى لسردها فأن هذا السبب في حد ذاته كفيل بهدم فكرة الإصلاح السياسي اذا اعتمد مباشرة على هذا العنصر.
إن الحياة السياسية تحتاج إلى التكتلات الحزبية، ولكن تلك التكتلات لا تاتى بقرار سياسي لان هدف كل حزب هو السلطة ، ولا يمكن اقناع اى طرف بالدخول في تكتل وقبول بعلب دور ثانوى، وهو يسعى في الأساس لقيادة بلد بالكامل، حتى لو كان نسبة نجاحة او وصوله لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.. وربما تكون إسرائيل او لبنان نماذج قوية لما نتحدث عنه.
بالفعل مصر نجحت خلال الفترة الماضية في تجاوز الكثير من العقبات ووصلت بجهود ابنائها من مرحلة تثبيت الدعائم الى مرحلة النمو وجنى الثمار ، الا ان النواحى السياسية تتطلب الكثير من الجهد الفكرى والانسانى، بل وقبل هذا وعى وادراك مباشر بطبيعة المرحلة والمخاطر المحاذير التي نخوض فيها وتتطلب وضع المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتراجع سقف الطموحات الخاصة لصالح طموح الدولة.
لاشك هناك ضرورة ملحة في تحسين الأجواء السياسية، ولكن يجب ان يسبق هذا رؤية حقيقية تتعامل مع افرازات اكثر من 50 عاما منها اخر 10 سنوات تم فيها تجريف المناخ السياسي في مصر وقضى فيه على الأخضر واليابس... وهذه الرؤية يجب ان تضع في الحسبان انه لا يمكن باى حال من الأحوال الحصول على نتائج فعالة وناضجة قبل ما لا يقل عن عقدين من الزمان يكون فيها الجميع قد استوعب التجربة وتمكن من فرز امكانياته المؤهلة للعمل النيابى او التنفيذي او حتى الرئاسي.
ان هدف اى صلاح السياسى منشود ، هو مواجهة تبعات المرحلة وبحث المستقبل والحفاظ على مقدرات وامن الوطن . وهى جميعها تحتاج الى مؤهلات وتراكمات حياتية وخبرات في مجالات متعددة مرتبطة بعنصر الزمن، وهو امر لا يمكن توافره بين ليلة وضحاها او بمجرد نوايا او بقرار سياسي.
---------------------------
استاذ بجامعة حلوان -استشاري دولي




0 تعليق على موضوع : إصلاح النظام السياسى // بقلم : د. حاتم صادق
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات