كتب : فهمي الكتوت
من غير المتوقع تقديم موازنة غير تقليدية لعام 2020 رغم الاشارات التي وردت في بلاغ الموازنة حول تحسين البيئة الاستثمارية وتذليل العقبات التي تحول دون تدفق الاستثمار، وتوطين الاستثمارات القائمة. وهي شعارات تكررت دون اتخاذ اجراءات فعلية، والحكومة الحالية كغيرها من الحكومات السابقة اسيرة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، وبرنامج الاصلاح المالي والهيكلي حاضر في بلاغ الموازنة.
تعكس الموازنة العامة للدولة عمق الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وتعتبرالموازنة برنامج الحكومة والاداة التنفيذية لها خلال عام، ومن المعروف ان خبراء صندوق النقد الدولي يضعون تصوراتهم ولمساتهم الاخيرة على السياسات العامة التي تتضمنها الموازنة من خلال ما يسمى بالتفاهمات مع الحكومة والتي لا تخلو من الاجراءات التقشفية.
ولاعطاء صورة واضحة عن اثر السياسات المالية ودورالموازنة في الحياة الاقتصادية للبلاد، لا بد من التعرف وباختصار عن مصادر ايرادات الدولة، وابواب انفاقها، للكشف عن الاختلالات الخطيرة وحالة الجمود التي تعاني منها الموازنة، والتي انعكست بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
1- الإيرادات العامة: قدرت موازنة عام 2018 بنحو 8.496 مليار دينار تراجعت الى 7.890 مليار دينار في إعادة تقدير، رغم زيادة المنح الخارجية من 700 مليون دينار الى 915 مليون دينار، بعد زيادة المساعدات الأميركية من 337 مليون دينار الى 535 مليون دينار. وقد جاء تراجع الايرادات العامة مدفوعا بتراجع الايرادات الضريبية من 802 مليون دينار مقدرة الى 192 مليون دينار، وارتفع عجز الموازنة من 1.223 مليار دينار قبل المساعدات الى 1.728 مليار دينار.
يتضح مما تقدم ان ايرادات الخزينة تأتي من ثلاث مصادر رئيسية " الايرادات الضريبية، القروض، الهبات"، وتشكل الايرادات الضريبية نحو 66% من الايرادات المحلية، معظمها ضرائب غير مباشرة، اما الضريبة على الدخل والارباح فهي بحدود 22% من الايرادات الضريبية، منها 14% فقط مساهمة الشركات، ومع اضافة الرسوم والرخص الى اجمالي الايرادات الضريبية ترتفع نسبة الضرائب الى 78% من الايرادات المحلية، ويمكن الاستخلاص بما يلى:
أ- معظم يرادات الموازنة ممولة من الفقراء والفئات الوسطى وان مساهمة الشركات 14% من الضرائب، اما القروض فهي ضرائب مؤجلة الدفع .
ب - زيادة العبء الضريبي الناجمة عن وصفات الصندوق ادت الى تراجع الايرادات الضريبية والتي باتت تشكل عقبة كأداء امام تطور الاقتصاد الاردني، فقد تراجع الاستثمار المباشر بنسبة 53% في عام 2018.
ج- عدم الالتزام بنص المادة 111 من الدستور التي تنص؛ لاتفرض ضريبة او رسما الا بقانون، والالتزام بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفين .
2- بلغت النفقات العامة لموازنة الحكومة المركزية لعام 2018 اعادة تقدير 8.704 مليار دينار، منها 7.684 مليار دينار نفقات جارية، و 33% من النفقات الجارية للجهاز العسكري، وقد بلغ نصيب اهم ست وزارات (التربية والتعليم والتعليم العالي والصحة والزراعة والاشغال والعمل) 21% من النفقات الجارية، وامتصت فوائد الدين العام 13% ، اما النفقات الرأسمالية فقد بلغت حصتها 11.7% من اجمالي النفقات العامة. وقد تراجع نصيب النفقات الرأسمالية في العام الحالي الى 8% بسبب وقف تنفيذ بعض المشاريع.
معنى ذلك ان نصيب الفقراء والفئات الوسطى الممولة للموازنة من الخدمات الصحية والتعليم والعمل لا يتجاوز ال 21% من النفقات الجارية، وان تكلفة فائدة الدين العام اعلي من النفقات الرأسمالية التي يفترض ان تسهم في توفير فرص العمل وتحريك الاقتصاد الذي يعاني من الانكماش، وقد كشفت التقارير الرسمية الصادرة عن النصف الاول من العام الحالي 2019، عن تراجع النمو الاقتصادي الى 1.8% وتراجع الايرادات من ضريبة المبيعات على السلع والخدمات بقيمة 118 مليون دينار، وارتفاع الدين العام بقيمة 1178مليون دينار ليسجل 29518 مليون دينار بسبب السياسات الانكماشية.
في ضوء ذلك؛ لا بد من اعادة هيكلة الموازنة بما يضمن زيادة النفقات المتعلقة بتوفير العمل والخدمات والصحية والتعليم وتوفير الخدمات العامة لممولي الخزينة من الفقراء والفئات الوسطى.
اما تحفيز الاقتصاد الذي لم يعد منافسا امام المنتجات الاجنبية محليا وخارجيا، بسبب ارتفاع تكلفته الناجمة عن زيادة العبء الضريبي على مدخلات الإنتاج، وارتفاع تكلفة السلع والخدمات، إضافة الى ارتفاع تعرفة الكهرباء، وارتفاع الضرائب على المشتقات النفطية والتي تتراوح بين 35% الى 135%، على السولار والبنزين بانواعه، وهي سلع ارتكازية اسهم ارتفاعها بارتفاع اجور نقل البضائع والمواصلات وكلف المنتجات والخدمات الأردنية عامة، إضافة الى الضرائب المرتفعة التي تفرض حتى على الدواء وغذاء الفقراء، والتي اسهمت بتراجع الطلب واتساع مساحات الفقر. فاي حديث عن تحفيزالاقتصاد؛ يتطلب اجراء مراجعة شاملة للمنظومة الضريبية وتكلفة المحروقات وتعرفة الكهرباء وتخفيض عبئها على المنتجات الوطنية.




0 تعليق على موضوع : بلاغ الموازنة… اعادة انتاج للازمات
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات