النفوذ الإيراني في العراق.. إلى أين؟

كانت الإطاحة بشاه إيران عام 1979من خلال ثورة شعبية بقيادة آية الله الخميني وإنشاء الجمهورية على أساس القواعد الإسلامية مصدر إلهام آنذاك لبعض الشعوب في العالم العربي، وقد نظر الكثير من الشيعة العرب لهذه الثورة على أنها امتداد لثورة الحسين ضد الظلم والاستبداد، ودعوة للعدالة الاجتماعية والاقتصادية ومقاومة الهيمنة الغربية. لكن بعد أربعين عاماً من هذا الحكم الثيوقراطي بدأ هذا الحلم الرومانسي يتلاشى من خلال ما يمارسه النظام من قمع في الداخل الإيراني وهيمنة استعلائية تُمارس على دول الجوار كما شاهدناها في العراق في مظاهرات أكتوبر الحالي.  

فقد خرج آلاف من العراقيين إلى الشوارع في انتفاضة شعبية، وكانت هناك عدة أسباب لذلك. سبب داخلي: وهو ردة فعل لسوء الإدارة لدى الحكومة العراقية والتي فشل رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي في وضع استراتيجيات لحلها. أيضا الفساد المالي المستشري في البلاد والذي صنفته مجموعات المراقبة مثل منظمة الشفافية الدولية من بين الأسوأ في العالم. أما السبب المتعلق بالخارج، فيكمن في الدعوة إلى استقلال العراق عن «الانتداب» الإيراني.
إن قرار الحكومة العراقية بطرد قائد قوات مكافحة الإرهاب في البلاد، الفريق عبد الوهاب الساعدي، في أواخر سبتمبر الماضي، كانت الشرارة التي أشعلت المظاهرات. فطرده اعتبره الكثيرون تم تحت ضغط من طهران وحلفائها في العراق الذين اعتبروه تهديداً، كونه أصبح بطلاً شعبياً لدوره القيادي في الحرب العراقية ضد تنظيم «داعش». وهذا بدوره أشعل غضب الشعب العراقي ضد هيمنة إيران الواسعة في العراق التي لا تسمح إلا بوصول التابعين لها للسلطة.
لم يكتف النظام الإيراني بهذا التحكم بالمفاصل السياسية في العراق، بل مع استمرار المظاهرات والثبات الشعبي الكبير للحصول على المطالب المشروعة، جوبهت التظاهرات بقمع وحشي ودموي من قبل القناصين التابعين لـ«الحشد الشعبي»، الذي يسيطر عليه النظام الإيراني.
وقد ذكر، فائق الشيخ علي، النائب في البرلمان العراقي، في تغردية له أن نظام إيران يقوم بقتل المتظاهرين في العراق قنصاً، مشيراً إلى أن «الأمر لم يعد خافياً على أحد، فإمام جمعة طهران قالها بصريح العبارة مختزلاً سياسة دولته: اقتلوا عملاء أميركا المتظاهرين العراقيين».
كما يؤكد ضباط «فيلق القدس»، وموظفو وزارة المخابرات، التي تعمل تحت الغطاء الدبلوماسي للنظام الإيراني، أن العراق هي القاعدة الحقيقية للتدخل في دول إقليمية أخرى مثل سوريا ولبنان والسعودية والأردن وغيرها لذلك هذه المظاهرات تقلق النظام لأنه إن خسر العراق سيخسر نفوذه في المنطقة.
وقد أظهر استطلاع للرأي العام العراقي، نشرته «واشنطن بوست»، وأجرته «مجموعة المستقلة» التابعة لشركة أبحاث خاصة عام 2018، أن معدل تفضيل النظام الإيراني بين الشيعة العراقيين قد انخفض من 88% عام 2015 إلى 47% عام 2018. كما وجدت الدراسة أن المواقف غير المؤيدة تجاه إيران بين الشيعة العراقيين ارتفعت من 6% إلى 51%. وهذا يعني أن هناك فرقاً بين عامة الشيعة العرب في العراق والمشروع الصفوي الإيراني والأحزاب العراقية الموالية له.
وبالرغم من اتساع مناطق نفوذ النظام الإيراني في المنطقة من مساحة تبلغ 2000 كيلومتر مربع في جنوب لبنان، إلى نصف مليون كيلومتر مربع والذي ربط إيران بالعراق، والعراق بسوريا، وسوريا بلبنان، إلا أنه ممكن أن يتحول إلى عنصر ضعف وفشل ذريع لأن النظرة المثالية الفاضلة لهذا النظام التي رُسمت في أذهان الكثيرين خاصة الشيعة العرب في العراق بدت في حقيقتها واقعاً مريراً وظالماً، لم يقدم لهم سوى الدمار ونهب الثروات وينبغي التخلص منه.

الكاتب

د.نجاة السعيد   // *باحثة سعودية في الإعلام السياسي