شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

"زمن الخيول البيضاء" .. رواية خيانة العثمانلي وبيع فلسطين لليهود





"لولا الظلم التركي لما وصلنا لما نحن فيه من الضعف والانحطاط، ولما قامت دولة إسرائيل على أراضينا، كلها جرائم ارتكبها العثمانيون بحق أبناء فلسطين"، تلك شهادة الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، على تاريخ العثمانيين الأسود فى فلسطين طوال 4 قرون، سجل حافل بالجرائم والقتل والنهب والسلب، انتهى بخيانة فلسطين، وبيعها لليهود، نهاية الحرب العالمية الأولى.
حمل الروائي الفلسطيني هموم وطنه على ظهره، وبدأ يؤرخ لمأساة قومه، بعد أن خانهم العثمانيون، وسلموا أرضهم لليهود، والاستعمار البريطاني، ألف نصر الله رواية "زمن الخيول البيضاء" لتكون شاهدة على الجريمة التركية بحق فلسطين، والأمة العربية والإسلامية.
صدرت رواية "زمن الخيول البيضاء" عام 2007، متزامنة مع الذكرى الستين لاحتلال فلسطين، وهي عمل ملحمي تاريخي يصور فيها نصر الله حياة الفلسطيني في قرية "الهادية"، وتطرح الرواية عدة تساؤلات مهمة، كيف كانت أوضاع الفلسطينيين في ظل الاحتلال التركي، وكيف تمت صفقة بيع فلسطين لليهود؟.

ابراهيم نصرالله

قصة خيانة
بدأ إبراهيم نصر الله ملحمته بقصة يرويها الجد لحفيده، يحكي فيها تاريخ العثمانيين الأسود بالبلاد العربية، خاصة فلسطين، يقول: "بدأ حكم العثمانيين لفلسطين في عهد السلطان سليم الأول، بعد أن استولى على أراضي الدولة المملوكية، في الشام ومصر، لكن العثمانيين أهملوا فلسطين، وباتت أسوار القدس أطلالا خربة، ولولا دخول فلسطين بحوذة محمد علي باشا حاكم مصر، لسقطت بيد الاستعمار الأوروبي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر".
ويضيف: "وللأسف عادت فلسطين محتلة تحت نير الاحتلال العثماني، لكن هذه المرة قرروا الانتقام من الأهالي والأرض، قسموا ريف فلسطين إلى مقاطعات ومناطق، عينوا عليها مجموعة من المجرمين والخونة الأتراك، كل هدفهم نهب أقوات الناس، ولم يتورعوا عن بيع أرضنا لليهود، ثم طردونا إلى الجبال".
لخص الجد مظاهر الاستبداد التركي التي انتهت ببيعها لليهود بقوله: "بدأ ضياع فلسطين بضياع أراضيها، وذلك بفساد الحكام وكثرة الظلم الذي مارسه رجال الدرك في الجيش العثماني، من جمع الضرائب بطرق تعسفية، وبطش الأعوان بشكل لا يقبله أي حد، حروب خاسرة، بيع قرى، تعذيب الأهالي، وتخريب بيوتهم، وغيرها من مظاهر الاستبداد التركي".

لصوص الأقوات
عانت فلسطين من استبداد الولاة الأتراك، الذين اهتموا بنهب الأموال من جيوب الرعية، لم يتركوا شيئا إلا وفرضوا عليه ضرائب وإتاوات، وقد لقب المؤلف قائمقام (حاكم) القدس باسم "الهباب"، لأنه أينما حل جر معه الخراب والدمار والجوع.
رصدت الرواية سياسة الولاة الأتراك في اختيار حاكم المدن وموظفي الدولة، وكيف قام العثمانيون بتجنيد العملاء ومنحهم السلطة والقوة اللازمة للاستبداد، ففي حوار دار بين الهباب وحاكم مدينة فلسطينية، نقل لنا الراوي كره الأتراك للعرب، الذي تبلور في مجموعة من السياسات القمعية.
قال الهباب: "إننا نختار دائما عددا من التجار والوجهاء والمرابين الذين نثق بهم، ليدخلوا في مزاد عام كل سنة، والذي يفوز يدفع لنا الضرائب المفروضة على القرى، ثم نمدهم بالقوة اللازمة لتحصيل ما دفعه، إن ما نريده من عملائنا هو إذلال العرب، أولئك الذين تجرأوا برفع أصواتهم مطالبين بالحرية والاستقلال، وبدأت النزعة العربية تستيقظ في وقت استسلم فيه كثيرون من الوجهاء والزعماء لمطالب الأتراك".


فرض العثمانيون ضرائب على كل شيء، البشر والجماد والحيوان، يقول :"بدت الدولة العثمانية مستعدة لأن تفعل أي شيء مقابل الحصول على المال والرجال كمجندين، فهجم مأمور الضرائب على القرى من جميع الاتجاهات، وبات على الناس أن يدفعوا الضرائب، لا عن محصولهم وحده، بل عن رؤوس خيلهم وأغنامهم وبهائمهم، ووصل الأمر إلى أن يدفعوا الضرائب عن كل رأس آدمي، بل فرضوا ضريبة الشانية على كل من يضع على رأسه غطاء من القماش كالعمامة والطربوش".
تمادى الجنود الأتراك في غيهم وتجبرهم بفلسطين، فإذا دخلوا مدينة أو قرية نهبوا الأقوات والممتلكات، "فيدخلون بيت الفلاح ويختارون بقرة أو خروفا، ويطالبونه بذبحها، ويأمرون زوجته بطهيها، ثم يعودون في المساء ويأكلون ويشربون، ولا يكتفون بذلك، بل يأخذون كل ما تقع عليه أعينهم من أموال وأشياء ثمينة، ويضيفون إليها ما تطاله أيديهم لوجباتهم التالية، من حمام ودجاج وديوك رومي".
كان دخول الدرك التركي للقرى بمثابة إعلان للقتل والفوضى، فتبدأ حفلات التعذيب دون تفريق بين شيخ أو امرأة أو طفل، فلا مكان للإنسانية لديهم، مما يدفع الأهالي للهروب وترك ديارهم، وبعد خروج آخر جندي تركي من القرية ينادي أهالي القرية: "لقد رحل المجرمون"، فيندفع البشر مسرعين كل نحو بيته، لكنهم وقفوا مندهشين أمام الخراب الذي طال كل شيء، ممزقا أحشاء البيوت، وأبراج الحمام، وحظائر المواشي والأبقار.
أدى الاستبداد العثماني إلى حالة من الفوضى والفقر والجوع الشديد، كما أدى إلى تمرد الشباب وتشردهم في الجبال للهروب من التجنيد، ووصل ضيق الحال والفقر بالناس إلى درجة لا يمكن تصورها "وصل الحال بالناس إلى أن يخرجوا القض الناشف من سطوح بيوتهم ليطعموا به حيواناتهم، ويفتشون في روثها عن حبات الشعير التي لم تهضم".

تجنيد الضحية
تلقت الجيوش العثمانية خسائر فادحة أمام قوات الحلفاء، الأمر الذي دفع السلطنة إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من أبناء العرب، وزجت بالآلاف في ساحات الحرب دون أدنى تدريب أو سلاح أو معدات حديثة، ليواجهوا أهوال القتل من المدافع البريطانية والفرنسية، نيابة عن الأتراك الذين تخاذلوا عن التطوع في الجيش العثماني.
هاجمت قوات الدرك التركية القرى الفلسطينية لخطف الرجال، وإرسالهم لساحات القتال، وسيقت قرى بأكملها للتجنيد الإجباري، وفي هذه الفترة بدأت موجات من الهجرة من فلسطين، وكان أغلب المهاجرين من المقتدرين، الذين دفعوا رسوم "بدل تجنيد" للسلطات العثمانية، ولكن الأقل حظا وهم الفلاحون، لم يكن أمامهم سوى مواجهة التجنيد الإجباري، والموت جوعا ومرضا من الأوبئة.


وثق صاحب الخيول البيضاء أهوال التجنيد الإجباري بفلسطين، "فجأة ضاعفت الحكومة أعداد الشباب الذين تحتاجهم جنودا، ولم يفلت من ذلك سوى قلة قليلة، أولئك الذين كان بإمكانهم أن يدفعوا بدلا للحكومة، مقداره 60 ليرة عثمانية، ولم يكن المبلغ قليلا، إلا أن ذلك لم يعفهم من الخدمة لمدة 6 أشهر في أقرب موقع لقراهم ومدنهم، أما أولئك الذين عجزوا عن الدفع أو الفرار والهرب، فقد كانت القطارات في انتظارهم لنقلهم للخدمة في أماكن لا يعرفون شيئا عن مصيرهم فيها".
وصلت أنباء الهزائم المتوالية ومقتل آلاف العرب إلى فلسطين، الأمر الذي دفع مئات الشباب والرجال للهرب من قراهم إلى الجبال، وهي الظاهرة التي عرفت بـ"الفراري"، ورصدت الرواية مقاومة أهالي فلسطين لعملية التجنيد الإجباري "تعرض جباة الضرائب ورجال الدرك الذين يرافقونهم إلى القتل، على يد أولئك الفرارية، الذين التجأوا للجبال هربا من التجنيد والبطش التركي".
سجلت الرواية أحد الخطابات السرية التي أرسلتها إسطنبول إلى حاكم القدس، وجاء فيها: "أحرقتم وخربتم وعقرتم مواشيهم، ذلك لا يعني بالنسبة لنا أي شيء، ما دام شبابهم قد أفلتوا من قبضتنا".
أرسل الوالي التركي جنود الدرك للقبض على الهاربين من التجنيد الإجباري، وخول لهم سلطة قتل أي شاب يعترض أو يقاوم، "أصبح إصدار أمر بشنق مواطن فلسطيني أكثر سهولة من أي شيء آخر، خاصة بعد أن هرب مئات الشباب والرجال إلى الصحراء، بعد أن صدرت الأوامر بإعدام كل الفارين من التجنيد الإجباري".

بيع أراضي فلسطين
طرأ في نهاية القرن التاسع عشر تغير حاد وفجائي على ريف ومدن فلسطين، فمع الانهيار العثماني، ظهر التسابق الأوروبي للسيطرة على مناطق نفوذ لهم في فلسطين، وانخرط في هذا الصراع، كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وتمخض عنه احتلال بريطانيا لفلسطين، عام 1917.
تطرق إبراهيم نصر الله في روايته إلى خيانة العثمانيين لفلسطين، بداية من مفاوضات السلطان عبد الحميد الثاني مع هرتزل، ثم سماح حكومة الاتحاد والترقي لآلاف اليهود بالهجرة والاستقرار في الأرض العربية، حتى كانت الفاجعة مع عزت باشا، الذي سلم مفاتيح القدس للجنرال اللنبي، قائد القوات البريطانية، كخطوة في طريق تنفيذ وعد بلفور.
كما رصدت الرواية صفقات بيع أراضي فلسطين لليهود، "أصبح حاكم يافا التركي هو سمسار فلسطين الذي يحدد أسعار الأراضي والقرى المعروضة للبيع، ثم يتفق مع زعماء اليهود على استقبال المهاجرين، وفي الوقت ذاته يبعث برجال الدرك لطرد السكان العرب من قراهم".


اتخذ العثمانيون من عجز الفلاحين الفلسطينيين عن دفع الضرائب الباهظة، حجة لعرض القرى للبيع، في مزادات علنية، مع تقديم إغراءات وتسهيلات كبيرة للأثرياء اليهود، لشراء تلك القرى، كتب يقول: "قام الأتراك ببيع عشرات القرى في المزاد العلني لملاك من سورية ولبنان، بعد أن عجزت هذه القرى عن دفع العُشر لسنوات متتالية، وتراكمت عليها الديون".
انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة ساحقة للجيوش العثمانية، استسلمت على أثرها لدول الحلفاء، بعد أن جرت الخراب والاستعمار الأوروبي للبلاد العربية، فقد احتلت بريطانيا العراق وشمال سورية وفلسطين، كما اقتنصت فرنسا أراضي الشام، فلم يكد العرب يفرحون بالتخلص من الاحتلال التركي، حتى وجدوا أنفسهم فريسة للمستعمر الأوروبي.
اختتم إبراهيم نصر الله روايته بتلك العبارة التي تفيض ألما وحسرة "في هذه اللحظات لم يعد الفلاحون وسكان المدن بفلسطين بإمكانهم الابتهاج لسقوط الدولة العثمانية، لأنهم اكتشفوا أن فترة احتلال وحشي قد انتهت، ليحل محلها احتلال بريطاني يؤسس لدولة يهودية بفلسطين".

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : "زمن الخيول البيضاء" .. رواية خيانة العثمانلي وبيع فلسطين لليهود

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017