لقد كنا نتصور أن أسطورة الثورة الجزائزية ضد الاحتلال الفرنسي في الستينيات، وكانت في العشرين من عمرها، قد أرهقتها السنوات و«تقاعدت» عن أي حراك سياسي أو شعبي، وأنها دخلت متحف التاريخ كرمز بطولي لشعبها وحركات التحرر الوطني في العالم كله.
لكنها بزغت فجأة لتشارك في المظاهرات الأخيرة للشعب الجزائري، التي بدأت في 22 شباط/فبراير الماضي، مطالبة بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لعهدة خامسة.
كان حضورها دفعاً معنوياً قويا للمظاهرات المستمرة منذ أكثر من شهر ونصف.
احتلت صورها مواقع الـ«سوشيال ميديا» والصحف اليومية، وكأن الزمن لم يمر بها، كأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج من متحف التاريخ إلى الشارع الثائر. لا غرابة في ذلك. إنها ابنة الثورات.
والمفرح، أنها ليست المرأة المسنة الوحيدة، بل هن كثيرات، منهن الحاجة فاطمة، البالغة من العمر 88 سنة، والتي شاركت في المظاهرات الأخيرة، مثلها مثل أية شابة صغيرة، حاملة العلم الجزائري، ملوحة به، رافعة إياه قدر استطاعتها بعزة وفرح. أكثر من هذا، صارت مغنية الثورة الجزائرية، ومن أجمل ما رددت في المظاهرات:
أمي عليش تبكي عليّ ولدك مضحي على الحرية / روحي يا عمري للوطنية.
إنها، مثل جميلة بوحيرد، ابنة الثورات أيضاً. فقد شاركت في معركة الجزائر الكبرى في الستينيات، وكانت تخيط الأعلام الوطنية والجوارب والقبعات والقمصان لتوصلها للثوار في الجبال.
ارتبط الماضي بالحاضر فوق الشارع الجزائري الفوار، وكانت نساء الجزائر في الزمنين في القلب منه، يثبتن قوتهن عبر التاريخ ليبقين في طليعة شعبهن، المطالبة بالمساواة والحرية والديمقراطية.
لقد أثبت الشعب الجزائري كاملاً، شيوخاً شباباً وأطفالاً، من خلال المظاهرات السلمية أنه شعب متحضر يستحق أن ترفع له القبعات.
وهو ليس الشعب العربي الوحيد، بل هناك أيضاً الشعب السوداني، الذي يستمر بمظاهراته المليونية الراقية منذ عدة شهور.
إنها، مثل جميلة بوحيرد، ابنة الثورات أيضاً. فقد شاركت في معركة الجزائر الكبرى في الستينيات، وكانت تخيط الأعلام الوطنية والجوارب والقبعات والقمصان لتوصلها للثوار في الجبال.
مقارنة بين مظاهرات فرنسا ومظاهرات الجزائر
الملفت أننا لم نسمع عن تحرشات جنسية، ولا عن حالة عنف واحدة، من قبل المتظاهرين الجزائريين أو السودانيين، في حين أن مظاهرات أصحاب السترات الصفراء الفرنسية، وهي المجموعات التي تحتج منذ سنة 2018 على زيادة أسعار الوقود والضرائب المفروضة لم تخل من العنف في عاصمة النور والحضارة، باريس!
وقد اعتقل عدد كبير من المتظاهرين بتهم التخريب وحرق السيارات، وأصيب العديد من الأشخاص أثناء اشتباكات المتظاهرين مع شرطة مكافحة الشغب الفرنسية.
ببساطة لقد أثبتنا أننا لسنا شعوباً عنيفة و«همجية»، كما يحاول بعضهم تصويرنا!
إن الأمل والحلم بالتغيير يوحدان البشر، ويدفعان كل الغرائز الانسانية البدائية كالعنف والتحرش الجنسي إلى الخلف.
لقد أثبت الشعبان الجزائري والسوداني أن الكل واحد من أجل الوطن.
0 تعليق على موضوع : جميلة بوحيرد: نساء الجزائر يصنعن التاريخ من جديد…
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات