منسوب الإرهاب يرتفع وينخفض نظرا لشكل التفاهمات وطبيعة الخلافات بين الدول.
حطام الارهاب على الحدود بين العراق وسوريا
تعد القوة سمة كل العصور وأحد عناصر التحولات الهامة في السياسية الدولية، وتختلف اشكالها من جيل لأخر، ومن عصر لأخر حسب طبيعة الصراعات وحيازة القوة، وتنوع الازمات وتعقيداتها، اذ يؤكد الخبراء ان القوة هي العامل الأساسي للديمومة والتفوق والتأثير. وهناك حكمة واقعية تقول "من لم تكن لديه القدرة الذاتية للدفاع عن نفسه سوف لن يكون هناك من يحتل موقعه للدفاع عنه."
ونشهد اليوم صراع الأقطاب الدولية في المجال الحيوي الدولي بالشرق الأوسط، واشتباك القوة الدولية بالإنابة من خلال التشكيلات المسلحة غير النظامية، وتبرز بوضوح في سوريا والعراق واليمن وبعض من دول المغرب العربي على شكل نزاعات وصراعات مسلحة تعتمد سياق "الحرب المركبة". وقد اطلق عليها الاميركان مسمى "الحرب الهجينة" عام 2017 لتوصيف هذه الظاهرة الحربية المتنامية والمتوغلة في الشرق الأوسط، وتحديدا العالم العربي الذي اصبح المسرح الرئيسي لهذه الحرب، والمعتمدة على تجزئة القوة النظامية واعتماد مسلك حربي معاصر يستخدم الأدوات الحربية غير المكلفة وقد اطلقت عليه مجتهدا "الحرب الرخيصة".
تعريف القوة
يعرف علم الاجتماع القوة "بالقدرة على إحداث أمر معين" و"تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين". يعتبر موضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدولية، يقول كارل فريدريك إن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعية فعند القول أن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعون نظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الاستمالة والنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أن يجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام، بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى إتفاق وتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة، ويرى سبيكمان أن القوة تعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرة على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرين ذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات. ويرى ميكافيلي على أن القوة هي الوسيلة والغاية النهاية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجال العلاقات الدولية. ومن خلال متابعة تطور وتنامي القوة والقدرة فان من الواضح ان القوة جوهر الصراع في إدارة التأثير وتبحث عن تجريد الخصوم من القوة او استنزافها حتى الانهاك بغية سيادة القوة لطرف ما.
مسلك الحرب الرخيصة
لا تعني ان الحرب بأثارها وضحاياها رخيصة، بالعكس ان كلف الحرب باهظة جدا على الدول والمجتمعات، وتأثيرها الارتدادي يشمل كافة النواحي المجتمعية والاقتصادية والمالية، ولكن تعني الحرب الرخيصة كلفة الحرب وادواتها بالقياس مع مردوداتها الاستراتيجية للطرف المستفيد من الحرب، او لمن استخدم هذا المسلك الحربي، مقابل استخدام الطرف الاخر السياق الحربي التقليدي النظامي المكلف. وعندما نقارن النتائج الواقعية الملموسة نجد ان دولة ما استطاعت السيطرة على اربع دول في الجوار الاقليمي دون ان تحرك قطعة عسكرية واحدة؟ وقد استخدمت الموارد المستحصلة والمسخرة لتنفيذ استراتيجيتها وبكلفة تكاد لا تذكر، بالمقارنة مع المردودات الاستراتيجية التي حصلت عليها، لاسيما في ظل استخدام البدائل الحربية الأقل كلفة ذات التأثير الفعال، حيث ان المسلح البسيط اقل كلفة من العسكري النظامي من ناحية التجهيز والتسليح والاعاشة.. الخ، فضلا عن استخدام الأسلحة الاقل كلفة كالطائرات المسيرة ذات الكلفة المتدنية قياسا باستخدام الطائرات الحربية المتطورة، وكذلك استخدام الصواريخ والأسلحة الأخرى، ويخضع التوصيف لمعايير المقارنة وفقا للكلفة والمردود.
ولعل من ابرز ادوات هذه الحرب استخدام حرب الأفكار وتوظيف الأيديولوجيا الدينية كمغذي محوري للحروب، فضلا عن اتساع وانشطار مسارح العمليات الغير نظامية، وهلامية الأهداف، وتعدد وانشطار الجماعات الفاعلة غير الحكومية التي تشكل ذراع نفوذ لدول أخرى لا تتسق بالدولة، وتعمل ككيان موازي يتخطى صلاحية الحكومات، فضلا عن مزج عناصر القدرة العسكرية النظامية مع الجماعات الفاعلة الغير حكومية، ويبرر وجود هذه التنظيمات كمضاد حربي للتنظيمات الإرهابية رغم تشابه السلوك بينهما، وهذا المسلك الحربي قد ترك اثر واضح على الواقع السياسي والحربي في المنطقة، مما ادرى الى اندثار الوعي بأهمية الامن الوطني والقومي، انها فوضى الحرب الرخيصة.
رمال الإرهاب المتحركة
اضحى الإرهاب بكافة اشكاله وسيلة حيوية يجري توظيفها لدواعي سياسية واقتصادية عالمية وإقليمية واحيانا محلية، لاسيما بعد صناعة وتوغل تنظيم داعش الإرهابي الى العمق العراق انطلاقا من الأراضي السورية عام 2014 وسيطرته المثيرة للجدل على ثلث مساحة العراق وسوريا، وعند النظر الى الأهمية الاستراتيجية لكل من شمال وغرب العراق تتضح الصورة كثيرا ويمكننا التأكد ان سوق الإرهاب العالمي والمحلي، اصبح يجتذب إرهابيي العالم والعاطلين وذوي السوابق بالتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة، لاسيما ان ظاهرة الإرهاب قد تمددت وبشكل واضح لكافة دول العالم الا بعض الدولة المتحكمة بخيوط لعبة الإرهاب فضلا عن خبرة عدد من الدول في صناعة التنظيمات الإرهابية وتوظيفها، وكما يبدو ان منسوب الإرهاب يرتفع وينخفض نظرا لشكل التفاهمات وطبيعة الخلافات بين الدول، واليوم تنتهي فصول مسرحية داعش في سوريا بتحولات سياسية وديموغرافية واقتصادية ومجتمعية مختلفة، تعود بالأثر السلبي على العراق وسوريا، وتعود بالمنفعة الاستراتيجية لدول إقليمية، اذا يتطلب من العراق إعادة النظر في الخطط الأمنية والدفاعات وتعزيز المشاركة المجتمعية وتحقيق الامن الانسيابي حتى لا يعود الإرهاب اليه مجددا.
فوضى القوة
اتسعت فوضى القوة في الشرق الأوسط، وقد اتخذت اشكال سياسية وامنية متعددة، ولعل من ابرز مخرجاتها الكيانات المسلحة الموازية وتعاظم دورها، وبروز ظاهرة التعامل الدولي معها من خلال ممثلي المنظمات الحكومية والمنافذ الدبلوماسية، بالرغم من انها أسهمت في تغيير الواقع السياسي، ازدهار الجريمة المنظمة والاقتصاد الأسود وتجارة المخدرات، عولمة الإرهاب، مأسسة الفساد، اندثار الحقوق والحريات الإنسانية، ازدهار تجارة السلاح بكافة انواعه، وانهاك المجتمعات وتهجيرها، ومن الملفت للنظر ان هذه الظواهر أضحت سمة معاصرة تتعايش معها الدول الكبرى والدول الفاعلة والمنظمات الأممية وترسخ أدوارها وفقا للواقعية السياسي، دون الاخذ بنظر الاعتبار التهديدات الاستراتيجية والمخاطر النازفة، من جراء تلك الظواهر، كما ان الظاهرة تتمدد وتتطور وتقضم حدود ايقافها، اذن نحن امام ظواهر نازفة ومتجانسة وتتخادم مع بعضها لترسخ واقع الفوضى المسلحة.
يبقى السؤال الأساسي من يستطيع معالجة أسباب اغراق الشرق الأوسط بهذه الظواهر دون مسايرة الواقع المتخم بالأثار السلبية التي أضحت ترتد بشكل مضطرد الى دول أخرى.
0 تعليق على موضوع : فوضى الحرب الرخيصة في الشرق الأوسط
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات