الثقافة السياسية السائدة في مجتمعنا وكثير من المجتمعات العربية حول الأحزاب السياسية وطريقة تشكيلها وكيفية ترخيصها ومزاولة نشاطاتها وأسلوب عملها، وعلاقتها بالحكومة، غير سليمة ابتداءً وانتهاءً ولا تخضع للمنطق السياسي المعروف لدى العلم الأكاديمي النظري، ولدى المنطق العملي الواقعي المعروف لدى الدول الديمقراطية والنظم السياسية الحزبية.
يعرف الحزب السياسي نظرياً بأنه مجموعة من الأفراد الذين انخرطوا في تنظيم محدد قائم على برنامج سياسي شامل لإدارة الدولة في كل مجالاتها، ويسعى لتطبيق هذا البرنامج من خلال الوصول إلى السلطة الحاكمة أو المشاركة فيها، ولذلك فإن الدول التي تعتمد النظام السياسي الحزبي، يقوم دستورها على إجراء الانتخابات العامة في كل البلاد التي ترتكز على المفاضلة بين البرامج السياسية المطروحة، والبرنامج الذي يحظى بتأييد غالبية الهيئة الناخبة يكتسب شرعية إدارة شؤون البلاد عن طريق تشكيل الحكومة التي تتحمل مسؤولية ذلك، ويعطى الفريق الذي يملك هذا البرنامج الناجح فرصة تطبيق ما يحوى من رؤى ومضامين وإجراءات ووسائل خلال مدة محددة، وفي نهاية هذه المدة تجري الانتخابات مرة أخرى ويتحدد من خلالها التجديد لهذا الفريق أو استبداله بفريق آخر وبرنامج سياسي آخر.
فالأحزاب بعضها يكون في الحكومة، وبعضها يكون في المعارضة، ويتم تبادل المواقع بين الحكومة والمعارضة بناءً على نتائج الانتخابات وتغير اتجاه الرأي العام في كل مرة، فليس هناك حكومة ثابتة وأحزاب ثابتة، أو حكومة دائمة ومعارضة دائمة، والحكومة بهذا المفهوم السياسي لا تملك أي سلطة على الأحزاب السياسية، بل الأحزاب السياسية هي التي تتحكم بتشكيل الحكومات واختيار الوزارات.
في المجتمعات العربية الأمر مختلف تماماً، ولا يمت للنظام الحزبي والحياة السياسية الحزبية بصلة، فالحكومة تتشكل من خارج الأحزاب، والحكومة هي التي تشرف على تشكيل الأحزاب وترخيصها، وهي التي تراقب العضوية والأداء والنشاط، وتصدر رأياً وتقويماً لعمل الأحزاب بأنها ليست ناضجة، وليست قادرة ولا تمتلك برنامجاً، ولا تصلح أن تشكل رافعة سياسية، وهي التي تتكرم على الأحزاب بالدعوة للاجتماع والتشاور، وتملك الخيار بإهمالها وعدم دعوتها، فالأمر يدعو إلى الرثاء.
ولذلك نحن أمام حالة غير سوية وغير منطقية، بل هي حالة شكلية عقيمة لا تملك فرصة النضوج ولا تملك فرصة التطوير إذا بقيت الأمور على ما هي عليه من حيث المفهوم والمضمون ومن حيث الشكل والأسلوب، ومن هنا لا بد للأحزاب أن تبادر من تلقاء نفسها إلى بناء حياة حزبية حقيقية من خلال إيجاد مؤسسة حزبية مستقلة تتولى إدارة هذا الملف بطريقة صحيحة، وبحيث يتم إيجاد الجسم الحزبي المؤتلف الذي يفرض حضوره السياسي والمجتمعي عبر هذا التوافق الحزبي السياسي على تدشين مرحلة جديدة يتم من خلالها الانتقال إلى إيجاد انتخابات برلمانية عامة قائمة على التنافس بين البرامج السياسية التي تملكها الأحزاب والقوى السياسية المعروفة، واكساب الجماهير ثقافة سياسية سليمة قادرة على إجراء المفاضلة بين البرامج وأصحاب البرامج.
وبناءً على هذا المفهوم، فالأصل أن يتم إيجاد هيئة مستقلة لتنظيم العمل الحزبي تتولى تسجيل الأحزاب والنظر في استكمال الشروط القانونية لممارسة العمل الحزبي السياسي، وهذه الهيئة لا تتبع الحكومة، وليست تحت مظلة وزارة أو لجنة حكومية تمنح وتمنع وتراقب وتعاقب، ويمكن الاستفادة من التجارب العالمية المعروفة في هذا السياق.
0 تعليق على موضوع : هيئة مستقلة للأحزاب السياسية // بقلم : د. ارحيل الغرايبة
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات