رحلت الكاتبة اللبنانية مي منسى: ألم الفراشات

بقلم : يقظان التقي

رحلت الكاتبة الصحافية والروائية مي منسى عن عمر 80 عاماً، وعلى فجاءة، إثر سكتة دماغية حادة، هي التي تجرأت على الحياة والقلق والألم، بتجربة حياة مصنوعة من حواس المدينة، ومن يومياتها، من ينابيع عميقة، ومن رهافة ذاتية، وابتسامة طائرة مثل الفراشات.

انخرطت منسى بتجربة طويلة على مدى نصف قرن وأكثر في الكتابة الصحافية منذ العام 1969، مبللّة بالحياة، بالثقافة، بقلم «الستيلو»، وأوراقها إما على الطاولة، أو تجمعها بين أصابعها في المهرجانات، ناقدة ثقافية في صحيفة "النهار" كاتبة في شؤون الأدب والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والرواية.

الصبية المجازة في الأدب الفرنسي، كرست حياتها الأدبية للكتابة باللغة العربية، بلغة خاصة، لينة، مستقلة لها صوتها، ورشاقتها، كما قوة المرأة اللينة، والإيمان، وبغنائية شاعرية، كاهنة الكتابة النقدية الموسيقية.

رحلت مي منسى بشعرها القصير، وابتسامتها، وسكونها، وبكل رقتها، تمشي أحياناً خلف جسدها، وخلف ظلها، متصافية في عمقها، وبذوبان كامل مع الكتابة، والالتزامات المدينية، بدينامية وحيوية وبخطى واثقة، وبكل قوة التجربة الثقافية، الحسية، والوجودية، وغير المنقطعة، متمهلة أحياناً في سنواتها الأخيرة، لكن متمسكة بامتعة الذات روائياً، والقلق الجمالي، الذي يشبهها، كأنه ظلها، وهي من ظله، موصولان في الكتابة، إلى حد الذوبان.

آخر إطلالاتها كانت في فندق البستان بيت مري، متذ أيام قليلة، متحدثة ومنخرطة في فعاليات المهرجان الموسيقي الدولي، شغوفة بالتعبير عن "الكريسيدو" الإيطالية، إلى آخر صفحة، وأخر نوتة، وبكل ذلك الدفق العاطفي، والحضور الناعم. آخر ما فعلته في حياتها، الحضور الهامس، بأدب الحياة، والمشوار الطويل، وعمق الابتسامة، وحضور محقق، بأسلوبها الخاص، انخرطت فيه طويلاً في الحياة الأدبية والصحافية في المدينة بيروت، بصوتها، وقامتها، وبمزاجها الخاص.

حصيلة كل ما كتبته وما قراته، وما ترجمته، كان كائناً مدينياً رقيقاً، بكل ما تحمله الكلمة من حب، وقلق، وهواجس، وألم، وشغف.

ولدت مي منسى في بيروت عام 1939. حصلت علی ديبلوم دراسات عليا في الأدب الفرنسي. بدأت مشوارها المهنية في الصحافة منذ عام 1959 في تلفزيون لبنان، مذيعة ومعدّة برنامجين: "نساء اليوم" و"جرف على طريق الزوال". التحقت في سنة 1969 بجريدة النهار، کناقدة في شؤون الأدب والمسرح والموسيقى.

هي رئيسة تحرير مجلة "جمالك" الشهرية التي تصدر في بيروت منذ عام 1969.

من مؤلفاتها: "أوراق من دفاتر شجرة رمان" (رواية 1998) و"المشهد الأخير" (رواية 2003) و"أنتعل الغبار وأمشي" (رواية، 2006) دخلت في القائمة النهائية "القصيرة" للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2008، المعروفة بجائزة بوكر و"الساعة الرملية" (رواية، 2008) و"حين يشق الفجر قميصه" (رواية، 2009) و"تماثيل مصدعة" (رواية 2013).

وروايتها الاخيرة "قتلت أمي لأحيا" أدرجت على قائمة الأسماء المرشحة لجائزة الرواية العربية الطويلة للعام 2019.

غادرتنا مي منسى مع وجع الصحافة، وكانت منخرطة فيها في ثبات ذاتها، وفي الجسد، وفي النسيج، وفي الألم، واللغة، والمزاج، وفي الصمت الذي تخلفه وراءها السيدة الرائعة.