شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

القضية الفلسطينية كعملية سياسية تتراجع إلى الخلف


جميع الأطراف الحريصة على استمرار منهج التسوية، ستصطدم في لحظة معينة بواقع تتجاوز حدوده ما يرتسم في عقول ووجدان بعض القوى المعنية، بما يجعل العملية برمتها قابلة لأن تخرج عن مسارها، فمن الصعوبة التحكم في مفاصل المنهج تماما، لأن القضية متشعبة ومفتوحة على اتجاهات متناقضة وقابلة للانفجار.
الأحد 2018/10/28

مفاتيح الحل كثيرة لكنها لا تفتح باب العودة


تعامل المنخرطين في القضية الفلسطينية كعملية سياسية وكفى يوحي بشيء من الغموض. ويجعل المبادرات التي تدور في عمقها أو على هامشها غير منتجة، وكأنه مطلوب أن تظل مستمرة من دون التفات إلى النتائج التي تتمخض عنها التحركات والترتيبات التي يتم الإعلان عنها من وقت لآخر، من قبل دول يتم النظر إليها على أنها من رعاة القضية.  
محمد أبوالفضل


يبدو تعاطي الحكومة الإسرائيلية في عهد رئيسها بنيامين نتانياهو بعيدا عن الاهتمام بالتطورات المتسارعة، ويجري التدخل فقط كلما لامست بعض التصورات ثوابت تعتبرها صارمة، لكن الحكومة ترى في النهاية أنه ليس من مصلحتها وقف الحديث عن التسوية السياسية تماما، فهذا معناه فتح الطريق أمام المواجهات الشعبية والمسلحة وإثارة غضب الرأي العام الدولي، ما يكبد إسرائيل خسائر مادية ومعنوية جسيمة، بينما تريد بالأساس الإمساك بزمام المبادرة، والتحكم في المسار الذي تستقر عليه، سلما أم حربا.

وحملت الزيارة التي قام بها نتانياهو إلى سلطنة عمان مؤخرا رسائل سياسية عدة، من بينها أن إسرائيل لا تزال حريصة على توطيد العلاقات مع الدول العربية، ومع استمرار عملية السلام وتبحث عنها في أي مكان وبأي وسيلة، وهي بذلك تريد دحض ما يتردد بشأن رغبتها في دفنها.

يصعب أن تعلن إسرائيل وفاة العملية دفعة واحدة، وكلما مالت الأمور نحو هذه الخلاصة، حرصت على ضخ دماء جديدة تمنحها أفقا نظريا يشي بأن هناك عملية جارية بالفعل، وعلى استعداد للتجاوب معها، وإذا ظهرت لها معالم على الأرض لديها ما يمكنها من عرقلتها.

تميل تصرفات إسرائيل إلى الحفاظ على هذه المعادلة وتوازناتها الهشة، وتجنب فتح المجال لخيارات أخرى حاسمة، وتدرك أنه لن تتم تصفية القضية الفلسطينية بالحرب، وربما يؤدي ذلك إلى مدها بعوامل قوة مضاعفة، لكن يمكن تحقيق نجاحات من خلال دفنها تدريجيا، بتكريس الخلافات والانقسامات، وفرض أنماط مختلفة من الحصار، وزيادة وتيرة الاستيطان، وتغيير المعالم الديموغرافية في الأراضي المحتلة، وقتل الملفات الحيوية إكلينيكيا.

تتبنى الولايات المتحدة موقفا قريبا من هذه الرؤية، فهي لم تعلن موت عملية التسوية التي تتبناها وغامرت بالتمسك بها وسط العواصف، فمنذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 ولا تتردد في مدّ منهج السلام بدفقات تمنحه حياة جديدة في جميع الإدارات، ولم يتسرب اليأس إلى واشنطن في خضم فشل مبادراتها، بل تحرص على مواصلة الزخم السياسي، فالمهم أن تظل العملية متواصلة.

أعلنت الإدارة الأميركية الحالية، منذ حوالي عام، عن “صفقة القرن”. وظهرت تسريبات متنوعة، تثير اللعنات تارة، وتفتح الباب للاجتهادات تارة أخرى. وفي جميع الأحوال تؤكد أن هناك رغبة في البحث عن تسوية واقعية من وراء عملية سلام لا يجرؤ أي من الأطراف المعنية نعيها رسميا.

تستخدم واشنطن هذه الأداة لضمان إحكام قبضتها على العملية السياسية، ومنع تدخل جهات أخرى للسيطرة على مفاصلها، وتأكيد أنها حريصة على توفير الأمن الكامل لإسرائيل، وتثبيت حضورها في المنطقة، وفي أهم قضية تاريخية بالشرق الأوسط، والتي تنفتح بعض جوانبها على صراعات وأزمات وقضايا جانبية.

تتبع الولايات المتحدة طريقة التشويق في صفقتها الجديدة، لجس نبض بعض الأطراف ومعرفة المدى الذي يمكن أن تذهب إليه حال طرح رؤيتها، والأهم التشبث بأنها الطرف القوي المتحكم في جوهر القضية الفلسطينية، كما أن عملية السلام لن تفلت من تحت يديها وقدميها، ولن تسمح لقوى أخرى بسحب البساط.

تجتهد واشنطن في طرح رؤاها الجديدة مع أي حديث يتواتر حول دور فاعل لروسيا، أو مبادرة جادة تأتي من فرنسا، ولا تقبل بأي دور مواز إلا إذا كان بالتنسيق معها، وتلجأ أحيانا إلى قنوات، مثل أوسلو (بولندا) أو كبنهاغن (الدنمارك)، شرط ألا تخرج من تحت عباءتها أيضا، ضمن منهج يريد استمرار العملية السياسية عبر استخدام وسائل مبتكرة تمدها بالأكسجين لمزيد من الحياة، إذا رأت أن الكميات المتوافرة منه في الجو غير كافية.

تسير مصر على الدرب نفسه تقريبا من خلال حرصها الشديد على الوساطة بين القوى الفلسطينية أملا في الوصول إلى مصالحة وطنية تنهي الانقسام الراهن. ولم تنشغل القاهرة بحجم الغموض الذي يعتري المشهد العام وتواصل تحركاتها المكوكية.

أخذت التصرفات المصرية خلال الأيام الماضية تعدل من طريقتها، فبدلا من استقدام وفود فلسطينية من حركتي فتح وحماس وغيرهما إلى القاهرة، تقوم وفودها بجولات بين قطاع غزة ورام الله، والحوار مع قيادات مختلفة، ولم تغير هذه التحركات كثيرا من الملامح السلبية، ولم تنتج تقدما سياسيا لافتا يبرر استمرار الذهاب والإياب بصورة متسارعة، سوى الإيحاء بأن هناك طحينا مستمرا من دون أن يثمر عن خبز حقيقي.

تريد القاهرة من وراء هذه الممارسات التأكيد على أن العملية السياسية لا تزال متواصلة، ودورها المحوري لن يتغير، مهما بلغ حجم الإحباطات الناجمة عن اتساع الهوة، وتوصيل إشارات بأن ثمة إمكانية للوصول إلى تفاهمات فلسطينية مع استمرار العملية السياسية.

يجري العمل على قدم وساق للقبض على زمام الوساطة، ومنع انتقالها إلى أي جهة أخرى منافسة تحاول أن تقود دفتها، وتعلم مصر جيدا أن قطر وتركيا وإيران وربما أطراف أخرى في المنطقة تتمنى الإعلان عن إخفاق محاولاتها الرامية لتقريب المسافات بين القوى الفلسطينية، وتنتظر لحظة وفاة الجهود المصرية ونعي إتمام المصالحة الوطنية.

تلجأ القاهرة إلى تبديل تكتيكاتها السياسية والأمنية مع الحركات الفلسطينية، بما يجعلها لاعبا رئيسيا، وإذا أغلق باب المصالحة تقفز من نافذة التهدئة، وإذا سدت الأخيرة يمكن فتح قناة الأمن في سيناء وحصار غزة ومد القطاع بالمساعدات والوقود، ثم فتح وغلق معبر رفح، ووقف نذر الحرب في المنطقة.

لذلك لم ولن يتسرب الشعور باليأس إليها، وستواصل جهودها، لأن القضية الفلسطينية مرتبطة بالأمن القومي المصري، والانسحاب من مساراتها يعني منح فرصة لقوى متربصة تسعى لإيجاد دور فاعل لها، وتنشط محاولاتها مع كل فشل تتعرض له جهود مصر، ما يدفعها إلى التمسك بدورها، وزيادة النشاط مع تراجع فرص الحل لضمان استمرار العملية السياسية، وعدم خروجها بعيدا عنها.

تكاد الصورة تكون متشابهة على المستوى الفلسطيني، بالنسبة للسلطة الوطنية وفتح ومعهما حركة حماس. فالفريق الأول قد يعترض على ما وصلت إلى القضية من ترد، لكنه لم يجرؤ على إعلان وفاة عملية السلام، والتي تمثل أحد أهم ركائز تحركاته، فمنذ التخلي عن المقاومة، لم يعد هناك خيار آخر سوى التسوية أمام السلطة الفلسطينية وفتح، ولن تتفوه أي قيادة فيهما بكلام ينطوي على وفاة التسوية، مهما بلغت درجة الحنق على الإدارة الأميركية والغضب من الانتهاكات الإسرائيلية.

دخلت حماس الفضاء نفسه مؤخرا (الفريق الثاني)، بعدما غيرت من تكتيكاتها السياسية، وجعلت من التسوية خيارا عمليا جديدا، فهي قد تعلن التمسك في خطابها بسلاح المقاومة، لكنها لن تستطيع تبنيه كخيار وحيد في الوقت الحالي، وتدرك أن التواصل مع قوى دولية غير مجد من دون التفاعل مع الخطوات الرامية للتوصل إلى هدوء من خلال تسوية سياسية.

جنت حركة حماس مزايا كثيرة باقترابها الظاهر من مفهوم السلام، وفُتحت لها فرص لم تكن موجودة من قبل، بالتالي من الطبيعي أن تتجاوب مع محاولات تصب في اتجاه توفير حلول مناسبة لها سياسيا، الأمر الذي يجعلها تنساق وراء الدفع في طريق تعزيز الحديث عن وجود عملية سارية بشأن القضية الفلسطينية، تضمن لها حضورا معنويا.

تشبه هذه التوجهات المشي على جبل من الأشواك، لأن جميع الأطراف الحريصة على استمرار منهج التسوية، ستصطدم في لحظة معينة بواقع تتجاوز حدوده ما يرتسم في عقول ووجدان بعض القوى المعنية، بما يجعل العملية برمتها قابلة لأن تخرج عن مسارها، فمن الصعوبة التحكم في مفاصل المنهج تماما، لأن القضية متشعبة ومفتوحة على اتجاهات متناقضة وقابلة للانفجار.
====================
محمد أبوالفضل
كاتب مصري

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : القضية الفلسطينية كعملية سياسية تتراجع إلى الخلف

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017