العلاقة بين العرب والغرب في إطاره الأوسع، علاقة ملتبسة، تحمل من الماضي أوزاره ومن الحاضر مآسيه، أديب إسحاق المفكر السوري الذي ناضل في صفوف المعارضة المصرية ضد الاحتلال البريطاني، كتب من خلال تجربته وربما حيرته مع الغرب، كيف أن يكون قتل شخص واحد جريمة لا تغتفر، وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر! ذلك البيت من الشعر الذي حفظته أجيال عربية يبين الحيرة والاستغراب في أجلى معانيها التي نحملها نحن العرب إلى الغرب بصفة عامة، وفهم الآخرين (الغرب لنا) وفهمنا لهم.
فالاعتقاد من البعض أن الغرب المعادي يجب أن نأخذ (الثأر) منه بطريقة عشوائية وصبيانية، وفي الوقت نفسه ينظر الغرب بعيون مغمضة عندما يرى آثار أفعاله أو تجاهله لما يدمر من بشر وزرع وضرع في ساحة عربية واسعة. الصراع بين الشعوب والأمم هو الطبيعة الثانية للإنسان على مدى القرون الماضية وقد خاضت الشعوب الغربية صراعا مهلكا فيما بينها، ولعل لمحة على نتائج الحرب العالمية الثانية فقط، تعطينا تلك النتائج المرة لما خلفه ذلك الصراع، فقد قام جنود الحلفاء، البريطانيون والأميركان والفرنسيون والروس، باغتصاب آلاف النساء الألمانيات مباشرة بعد وقف القتال، ومن رفض منهن الإذعان تم قتله بدم بارد، مما اضطرت معه سلطات ألمانيا وقتها أن تعترف بتسجيل أسماء آلاف المواليد باسم أمهاتهن! تلك لمحة من النتائج المدمرة للصراع الغربي، ولكن ردة فعل الشعب الألماني لم تكن (الثأر العشوائي)، لقد رد الألمان بجعل بلادهم قائدة لا تبارى في الصناعة والخدمات، حتى أصبحت أقوى اقتصاد اليوم في أوروبا والعالم، ولم يكن رد اليابانيين الذين هزموا بسلاح مدمر لم يستعمل بعد ذلك حتى اليوم، وهو القنبلة الذرية، التي دمرت أجيالا منهم، إلا أن تحولت اليابان إلى قوة اقتصادية هائلة ولسنوات طويلة، وتنافس اليوم الغرب في الصناعة والعلم.
ردة فعلنا نحن العرب كانت مختلفة، شخصانية وعشوائية، ولم يساهم كثيرون في نقدها لأنها أسست على افتراضات قائمة على (الغيبية) في فهم الآخر، فإن استعرضنا عددا من الكتب التي صدرت في إطار (نحن والغرب) نجد إما أنها تمجد الماضي الذي كنا فيه وسقينا رحيقه إلى الغرب، وإما أن الغرب معتد علينا بحروبه دون تحديد أداة تلك الحروب، أو كليهما، تلك الافتراضات التي أنتجت لنا لوكربي و11 سبتمبر ومن ثم «القاعدة» و«داعش» وغيرها من القوى التي تريد أن تحارب الغرب دون منهجية، تعرف ما لا تريد، ولكن لم يتبين لها ما تريد. نعم إلى اليوم الغرب في بعض المنعطفات لا يزال يرى من وجهة نظره قتل شخص جريمة لا تغتفر، ويتجاهل بطريقته قتل شعب كامل والاهتمام بأشخاص يتفقدونهم من أجل أجندة تتجاوز الأشخاص. فلدينا اليوم حملة إعلام هائلة لمتابعة قضية شخص على أهميتها، وتجاهل إعلامي لبقية القضايا التي تؤثر على مجتمعات ودول في الحاضر والمستقبل. بما ذا يفسر ذلك، إلا أنه متابعة أجندة الضغط والابتزاز.
إلا أن المهم هو الرد على ذلك كله، يمكن أن يأخذ الرد كثيرا من السيناريوهات، الأول هو متابعة مسيرة ردود الفعل العشوائية، كما حدث في لوكربي وأحداث سبتمبر 2001. والسيناريو الآخر هو فهم المقاصد من الحملات والتعامل معها بطريقة عقلانية. والأخير بيدنا، فهناك كثير من خطوات الإصلاح التي يجب أن نقوم بها من أجل جعل مجتمعاتنا مكانا أفضل للعيش ومنصة للنور، تبدأ تلك الخطوات بمشاركة حقيقية للناس في اتخاذ قراراتهم ذات المنحى العام، والعمل على نشر عناصر المناعة في مجتمعاتنا من خلال الوسائل المتاحة، كالتعليم والإعلام، مع السير حثيثا نحو العدالة الاجتماعية، واجتثاث بؤر (التخوين والتكفير) المنتشرة بين ظهرانينا، وهي البيئة التي تحتضن التطرف والعشوائية! دون خطوات مقننة ومحسوبة سوف تبقى مجتمعاتنا معرضة للابتزاز وشبابنا معرضا للتجهيل ومن ثم التحول إلى التطرف، ومواردنا بعد ذلك إلى النضوب. إذن المشروع كله يحتاج إلى عميق تفكير وإلى نقاش حر وواسع للخروج من عنق الزجاجة الذي طال بقاؤنا فيه، والوصول إلى فهم مشترك للآخرين وللنفس، تجنبنا في المدى المتوسط والطويل هذا الصراع العبثي بين مصالح الغرب ومصالح العرب!
آخر الكلام:
من الكلمات المهمة لإبراهام لنكولن محرر العبيد، أنه قال (قد أمشي ببطء، ولكني لا أمشي إلى الخلف) أخطر ما يمكن أن يحدث للشعوب هو (المشي إلى الخلف)!
*نقلاً عن "الشرق الأوسط"
0 تعليق على موضوع : هل يعرفوننا حقاً ونعرفهم؟ / د. محمد الرميحي
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات