“بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام، بهذا البيت الشعري، صبر واصطبر عدد من أبناء هذا الوطن الكريم، على مظاهر الفساد والظلم والقهر واللامبالاة، التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين البسطاء والضعفاء.
حزن و ألم وسخط ذاك الذي انتاب المغاربة، الذين تابعوا قبل أسابيع، مسلسل ركوب عدد من أبناء هذا الوطن، قوارب الموت للارتماء في أحضان أمواج المجهول بحثا عن الكرامة أو المال أو العيش الكريم.
شبان، نساء، أطفال وشيوخ، من مختلف مناطق المملكة، توجهوا إلى مدن الشمال، وقضوا أياما وليال، منتظرين قوارب الموت أو “الحظ” كما ينعتونها، التي تصل دون تحديد زمكان معين، لنقلهم دون نحو الضفة الأخرى “أرض الاحلام”.
هجرة أبناء الوطن نحو دول اروبا، كادت تنقطع وتتوقف خلال السنوات القليلة الماضية، قبل أن تعود بشكل مخيف ومفاجئ مؤخرا، و تصبح حديث الرأي العام ووسائل الاعلام الوطنية والدولية، ومحط انشغال المصالح المعنية.
هجرة المغاربة نحو أوربا، التي كانت تدعى ب”الهجرة السرية”، لم تعد اليوم كذلك، بعدما أصبحت موثقة بالصوت والصورة، ومنتشرة بمختلف المواقع الاخبارية والصفحات “الفيسبوكية”، وانتقلت من السر إلى العلن.
فاجعة قوارب الموت، التي راح ضحيتها العشرات من أبناء الوطن خلال الأيام القليلة الماضية، أعقبتها فاجعة أخرى، آلمت العديد من المواطنين، بسبب مصرع شاب مكفوف من المكفوفين المعطلين.
لاشك أننا جميعا تألمنا وبكت قلوبنا دما على وفاة صابر الحلو، بعد سقوطه من أعلى بناية وزارة الاسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، خلال اعتصامه رفقة عدد من زملائه ضد التهميش والتقصير الذي يطالهم منذ سنوات، والكلام الكاذب والوعود العرقوبية التي تلقوها من المسؤولين عن القطاع.
ولاشك أن وفاة الراحل، عرت واقع المعاناة التي تعيشها هذه الفئة، التي لطالما تغنت الحكومة بالخطط والاستراتيجيات التي وضعتها بهدف إيلاء أهمية خاصة بهم، وادماج أصحاب الشواهد والدبلومات منهم، بالوظيفة العمومية وسوق الشغل.
مصرع الفقيد، الذي تلاه بلاغ بارد وباهت من الوزارة المعنية، هذه الأخيرة التي اختارت تحميل المسؤولية للمكفوفين المعتصمين، بدل تحمل مسؤوليتها الأولى والاعتراف بفشلها في مناقشة وتدبير ملفهم المطلبي، أو اتخاذ قرار شجاع لحفظ ماء وجهها الذي جف والاستقالة.
مصرع صابر الحلوي، أكد للجميع على أن الحكومة هي الاحق بوصفها “من ذوي الاحتياجات الخاصة”، بعدما تعمدت غض بصرها عن معاناة الشعب ومطالب المواطنين، ومواصلة قهرهم ونهبهم والضحك على ذقونهم.
مصرع مكفوف وغرق العشرات من المهاجرين بعرض البحر، ينضاف إلى “شهيدات القفف” و”حمالات باب سبتة” و”شهداء الساندريات” و”محسن فكري” و”مي فتيحة” وغيرهم من أبناء هذا الوطن الكريم الذين اختاروا الموت أو اختارتهم الموت، لرحمتهم من معاناة الزمن وقساوة المسؤولين.
وفاة لحلو، أعقبتها فاجعة “قطار بوقنادل” التي وقعت الثلاثاء الماضي، بعد انحراف قطار قادم من مدينة سلا نحو مدينة القنيطرة، وانقلابه على مستوى منطقة بوقنادل.
فاجعة القطار، التي راح ضحيتها عدد من المواطنين من شباب في عمر الزهور، ورجال معيلي أسرهم ونساء ربات بيوت، كما أسفرت عن اصابة اخرين بجروح واصابات وعاهات متفاوتة الخطورة، أحدثت صدمة كبرى لدى المواطنين، وأحزنت عددا منهم عن الضحايا، كما بكي آخرون مع عائلات وذوي الراحلين.
فاجعة قطار بوقنادل، انضافت الى الفواجع التي أبكت وأحزنت هذا الشعب الذي لا يستحق الدموع والمعاناة، هذه الفواجع التي دفعتنا الى التساؤل بالقول:
ماذا بقي وآباؤنا وأبنائنا وإخواننا يموتون أمامنا بسبب لقمة عيش أو حياة كريمة؟
ماذا بقي وهؤلاء يمثلون علينا دور الاغلبية والمعارضة، ويتحالفون لدعم مرشح معين لرئاسة مجلس المستشارين؟
ماذا بقي وأولئك لم يكتفوا بسرقة ونهب أموال الشعب، وراحوا ينهبون “حلوى” و”شوكولاطة” و”مكسرات” البرلمان أو “باروك سيدنا” كما يحلو لهم تسميته.؟
ماذا بقي وذاك يفتي علينا بالحلال والحرام وبالمقبول والمرفوض، وفي المقابل، يلهو ويتسكع ويستمتع رفقة “مدلكته” التي تصغر ابنته، بأموال وزارته بالدول الاوروبية.؟
ماذا بقي وذاك عمر واستعمر بمنصب الامين العام لعقود وعقود، دون أن يستحي أو أن يتنحى لافساح المجال للطاقات الشابة والاجيال الصاعدة.؟
ماذا بقي وماذا بقي؟؟ لا، لم يبق اليوم على هذا الوطن الحبيب ما يستحق العيش والتضحية، وبلغ السيل الزبى، ما دام وزرائنا ومسؤولينا يستمرون في أساليب الفساد والنهب وسياسة التماطل واللامبالاة التي تسببت في وفاة العشرات من أبناء هذا البلد الطاهرين والوفيين، وما دام الغني يزداد غنى والفقير يزاد فقرا، ومادام المواطن البسيط يحاسب ويعاقب ويسجن على خطأ بسيط، ولا تتم محاسبة المسؤولين الكبار على أخطائهم، فإلى أين نحن ذاهبون؟
0 تعليق على موضوع : أَلَم يبق بهذا الوطن الحبيب ما يستحق الحياة؟! بقلم : لبنى أبروك
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات