بقلم جويس كرم
شنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوما مركزا على إيران، بدأه ترامب نفسه وتلاه وزير خارجيته مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون في غضون أربع ساعات يوم الثلاثاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون أشبه بإعلان مرحلة المواجهة المتعددة الجبهات بين الجانبين والتي قد توصل إلى مفاوضات مباشرة أو تداعيات غير محسوبة ولهيب إقليمي.
أرادت واشنطن منذ البداية أن تكون اجتماعات الأمم المتحدة مركزة على إيران، التي تعد الأولوية الشرق الأوسطية لترامب في هذه المرحلة. يرتبط التوقيت بعاملين أساسيين؛ أولا، بكون الأمم المتحدة منبرا دوليا؛ وثانيا، بإتمام تشكيل الفريق الداخلي لترامب حول إيران والذي يرأسه بريان هوك في الخارجية، وأعمدته من الصقور وهم مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو فيما جرى تهميش وزير الدفاع جيمس ماتيس مع تزايد الحديث عن إمكانية خروجه من الإدارة بعد الانتخابات النصفية.
في نيويورك، كان التفكير الأميركي يتركز باتجاه حصر موضوع جلسة مجلس الأمن، التي يرأسها ترامب الأربعاء، بالملف الإيراني، إلا أن ضغوط الأوروبيين ورفضهم حصرها بهذا الملف فقط، أدت إلى إضافة ملفات السلاح الكيميائي في سورية وكوريا الشمالية إلى المواضيع المقترحة.
إنما بعيدا عن الضوضاء الإعلامية لاجتماعات نيويورك، ما هي الاستراتيجية الأميركية حول إيران؟ ما هو جدولها الزمني؟ وهل تنجح في تغيير تصرف إيران؟
تعتمد الاستراتيجية الأميركية مع إيران أسلوب الترغيب والترهيب. من جهة يغمز ترامب الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر توتير ويصفه بالشخصية المحبوبة ويعلن استعداده "ربما" للقائه في المستقبل؛ ومن جهة أخرى، يهدد إيران بأقصى العقوبات التي ستطال القطاع النفطي في 4 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
كذلك، تعتمد هذه الاستراتيجية على تعاون إقليمي وتكثيف الحضور الأميركي من سورية إلى اليمن مرورا بالعراق لاحتواء نفوذ إيران. وهنا يرى ترامب أنه أحدث تقدما في هذا الشأن وأن إيران باتت أضعف مما كانت عليه سابقا، بسبب مجموعة من الخطوات مثل الانسحاب من الاتفاق النووي والانتخابات العراقية، واتفاق إدلب في سورية، وزيادة الضغوط العسكرية على الحوثيين في اليمن.
وهناك أيضا مساع أميركية لتشكيل تحالف خليجي ـ عربي يضم دول مجلس التعاون الخليجي ومعها الأردن ومصر مع اقتراح بدعوة المغرب إلى التحالف الذي يراد له أن يكون أشبه بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والمستهدف منه هو نفوذ إيران. تريد واشنطن إعلان هكذا تحالف بداية العام المقبل، إنما الخلافات حول دوره والتعاون الاستخباراتي من ضمنه في ظل الخلاف مع قطر قد يؤخر تشكيله
وتنظر الإدارة الأميركية، إلى جانب العقوبات التي تطال النفط وتشكيل التحالف، بزيادة حضورها العسكري إقليميا للضغط على إيران في المرحلة المقبلة. ولذلك، أعلنت واشنطن أنها باقية في سورية، وقال بولتون إن أميركا لن تنسحب من هناك طالما قوات إيران موجودة خارج أراضيها. ويترافق ذلك مع حديث داخل الإدارة عن زيادة الحضور الأميركي البحري بالقرب من باب المندب ومضيق هرمز، كرد على التهديدات الإيرانية في تلك المنطقة.
هدف هذه التحركات بالنسبة للإدارة هو الضغط على إيران، ليس لشن مواجهة عسكرية ضدها، بل لاستحضارها إلى طاولة المفاوضات وتكرار سيناريو كوريا الشمالية. طبعا، إن الملف الإيراني، بتشعباته الإقليمية، أكثر تعقيدا وطهران تراهن، مرة أخرى، على عامل الوقت أو فوز الديموقراطيين في الانتخابات النصفية بغالبية مقاعد الكونغرس. المشكلة في هذا الرهان، هو أن القيادة الديموقراطية في مجلس الشيوخ، ممثلة بتشاك شومر وبوب مانينديز، أكثر تشددا في التعامل مع إيران من بعض الجمهوريين؛ أما في مجلس النواب، ففي حال فوز نانسي بيلوسي بزعامة المجلس، فلن يتغير الكثير حول إيران كون بيلوسي أشرفت سابقا على وضع عقوبات ضدها.
أما إدارة ترامب، فهي تريد التفاوض، بحسب شروطها، مع إيران قبل نهاية العام، وحول طاولة تجمع الأوروبيين وقد يشارك فيها الجانب العربي. ولذلك فإن الأشهر القليلة المقبلة تعد حاسمة، لجهة أثر العقوبات والضغوط والتي قد تؤدي إلى المفاوضات، وفي حال حصلت ونجحت هذه المفاوضات ستمهد لحلول أبعد من الملف النووي. أما فشلها واستمرار الرهانات الخاطئة وشراء الوقت سيزيد من حالة الجمود في أكثر من أزمة إقليمية وقد يؤدي إلى صدامات وعواقب غير محسوبة قد تفتح أبواب الجحيم، كما لمح بولتون.
0 تعليق على موضوع : أميركا وإيران والرقص على 'أبواب الجحيم'
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات