مَن يلقي نظرة على المشهد السياسي يوم أمس يتبادر إلى ذهنه السؤال الآتي: "هل نحن فعلا في نظام برلماني؟ رئيس جمهورية يُنتخب بعد تعطيل دام أكثر من سنتين ونصف السنة، ولا يُفرج عن الرئاسة الأولى إلا بتسوية بين كل الأطراف اللبنانية. قانون انتخاب مفصّل على القياس، يحرص مَن رسمه على إبقاء القديم على قدمه، لناحية سيطرة فريق واحد على قرار الدولة وإبقاء لبنان رهينة سلطة السلاح. قانون انتخاب يغيّر في بعض الوجوه لكنه يحرص على ديمومة الغالبية القصوى من الوجوه التقليدية التي طبعت البرلمان اللبناني وإن لم تكن نفسها، تكون وجوه الأبناء أو حتى من يدور في فلكهم.
جيلبير رزق
|
يبقى مجلس النواب على حاله يديره رئيس واحد لا غير يجدّد له لولاية سادسة في مشهد أشبه بالمبايعة أو التمديد، أكثر منه أي عملية انتخابية طبيعية، تُنافِس المرشح الأوحد "ورقة بيضاء" لتعذر البديل. أما على المستوى الحكومي، فالوضع ليس أفضل بكثير، إذ يُقارَب أي كلام عن تشكيل حكومة من زاوية "قدّ ما عندك نوّاب بيطلعلك وزراء" ليصبح مجلس الوزراء صورة مصغّرة عن مجلس النواب، ويضرب عرض الحائط علّة وجود النظام البرلماني ومبدأ فصل السلطات الذي تحدث عنه "مونتسكيو".
يسأل المرء: "هل بتنا في نظام مجلسي أو أنها "لويا جرغا" مقنعة"؟ عندما يسعى الجميع إلى نيل حصة في الحكومة، بدءًا من رأس الهرم أي رئيس الجمهورية وصولا إلى الكتل الموزعة على مختلف التيارات والأحزاب، فمن يبقى ليحاسب على الصفقات والإرتكابات إذا وجدت؟ لم تعد الحكومات مسؤولة أمام نواب الأمة الذي من المفترض أن يسألوا وزراءها، ويحوّلوا أسئلتهم إلى استجواب، وصولا في بعض الأحيان إلى طرح الثقة وإسقاط الحكومة بفعل المحاسبة النيابية. شيئا فشيئا تتحوّل جلسات المجلس النيابي إلى مباريات كلامية خطابيّة، يتبارى فيها النواب في تسجيل أهداف داخل مرمى بعضهم البعض، فيما المركبة البرلمانية تبتعد أكثر فأكثر عن كوكب الحياة التشريعية الفعلية التي أرساها النظام البرلماني بمفهومه العلمي الصحيح.
ونسأل: "هل الذين انتخبوا الرئيس برّي في الأمس انتخبوه لاقتناعهم ببرنامجه ورؤيته للسنوات الأربع القادمة"؟ هذا طبعا إذا كانت لـ 4 سنوات فقط، ولم يهبط علينا تأجيل أو تمديد أو تعطيل أو ما شابه. ونسأل: "وفق أي معيار ينتخب النواب رئيسهم؟ هم الذين انتخبناهم وأوكلناهم تقرير مصيرنا ورسم مستقبل أولادنا، ومن جهة أخرى هل الذين لم يقترعوا للرئيس برّي لم يفعلوا ذلك ايمانا منهم ببرنامج آخر ونهج مختلف ورؤية أخرى"؟
لا شك أن المرحلة الجديدة تحمل في جعبتها تحديات جمّة، تحدق بوطن الأرز على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، في منطقة مشتعلة تعصف فيها الحروب، وأطفالها ترقص على وقع البراميل المنفجرة. هذا اللبنان الذي أثقلته الأزمات وأتعبته الصدامات حتى ضاق بأبنائه فانتشروا في أصقاع الأرض، من الصعب جدا فصله عن محيطه الجغرافي وهو ما أثبتته التجربة التاريخية والمسار التاريخي لبلد الأرز. لذلك فإن التحدي الكبير أيضا هو كيفية إبقاء أبوابه موصدة أمام تمدد النيران الإقليمية وكيفية تحويل هذا الواقع الإقليمي المرير إلى فرصة تاريخية يلعب فيها لبنان رسالته التاريخية من خلال قيادة حكيمة وإرادة وطنية جامعة.
ومهما قيل في البرامج الإنتخابية ومهما أغدق من وعود لا شك أن المدخل الرئيس إلى جمهورية الإنسان أولا، وإلى جمهورية الإستقرار والبحبوحة، والاقتصاد المنتعش والسلطة القوية القادرة لا بد من أن يكون صيانة نظام يرعى أمن الإنسان ويكون فيه المواطن اللبناني وحقوقه القيمة المطلقة الوحيدة... عندها تكون نهضة لبنان.
جيلبير رزق
0 تعليق على موضوع : ماذا تبقى من النظام البرلماني؟ - بقلم : جيلبير رزقجيلبير رزق
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات