المشهد اللبناني بعد الانتخابات - د. محمد نور الدين

نجح لبنان في إجراء أول انتخابات نيابية منذ تسع سنوات والتي كان من المفترض أن تجري في العام 2013.

 ورغم فترة الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990 والتي لم تجرِ فيها انتخابات فإن لبنان يعود إلى تقاليد عريقة لم تنقطع منذ نيل استقلاله عام 1943 بمعزل عن الظروف التي كانت تحيط بكل انتخابات.

 اختلفت القراءات في انتخابات السادس من أيار/مايو تبعاً للزاوية السياسية التي نُظر منها.

1- رغم أن القانون الانتخابي جرى على أساس النسبية التي تفرض مشاركة واسعة في التصويت لكن كثافة التصويت لم تكن على قدر المتوقع بل إن المشاركة في بعض الدوائر كانت محبطة.

إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن المواطن اللبناني لم يعد يثق بالطبقة السياسية الحاكمة التي أغدقت الوعود الكثيرة لكنها لم تحقق شيئاً على الإطلاق ولا سيما في مشكلات الكهرباء والنفايات والمياه والأهم الهدر والفساد و «الغَرف» من المال العام. قلة المشاركة أو عدم زيادتها المتوقعة هي بالطبع رسالة إلى النواب الجدد ولكل أحزابهم بضرورة العمل لحل مشكلات المواطنين فعلاً لا وعوداً.

2- نجح تطبيق النظام النسبي للمرة الأولى في لبنان في إحداث حيوية في الحملات الانتخابية. فطبيعة النسبية المطبقة في لبنان نجحت في كسر المحادل الانتخابية الكبيرة. ورغم أن هذه المحادل بقيت بشكل أو بآخر، غير أن النسبية أتاحت كسر أحادية التمثيل لزعماء الطوائف في أكثر من منطقة وتمكين العديد من الشخصيات المستقلة من دخول البرلمان، وإن كان عددها لا يقدم ولا يؤخر كثيراً من سطوة الزعامات التقليدية الحاكمة منذ سنوات بل عقود.

3- لكن ترك الحرية للناخب في اختيار مرشح واحد من اللائحة التي يؤيدها فتح المجال أمام إرباكات كثيرة ضمن الحزب الواحد واللائحة الواحدة وتحول الشركاء في اللائحة إلى متنافسين في ما بينهم لكسب الصوت التفضيلي للناخب.

ومسألة الصوت التفضيلي والتوزيع الطائفي في اللائحة ضرب أهمية الصوت التفضيلي بحيث أن مرشحين فازوا بسبعين صوتاً فقط وآخرين فشلوا رغم نيلهم أكثر من سبعة آلاف صوت. وهذا سيكون موضع إعادة نظر حتمية في القانون في المرحلة المقبلة.

4-أما على الصعيد السياسي فقد نجحت الانتخابات ونتيجة لخاصية النسبية في القانون الانتخابي من توسيع مروحة المشاركة والتمثيل في البرلمان. ومن أبرز النتائج تراجع تمثيل تيار المستقبل التابع لرئيس الحكومة سعد الحريري من 34 إلى 21 نائبا.

فلم يعد أحد في ظل النسبية بحاجة إلى الاستظلال بالزعامات الكبيرة ليفوز في الانتخابات، وصار بإمكانه الترشح والفوز بقواه الذاتية. وهذا مكّن منافسين جديين للحريري في الطائفة السنية من الفوز مثل نجيب ميقاتي وعبدالرحيم مراد وفيصل كرامي وأسامة سعد وفؤاد مخزومي. ولم تتمكن لائحة الحريري من الفوز في معقلها الأساسي في بيروت بأكثر من نصف مرشحيها. كذلك لم يعد طلال أرسلان بحاجة إلى وليد جنبلاط ليترك له مقعداً شاغراً يمكّنه من النجاح بل فاز أرسلان بقوته الذاتية وهكذا دواليك.

5- التكتل الأكثر صلابة كان ما يسمى ب «الثنائية الشيعية» المشكّلة من «حزب الله» وحركة أمل والذي حصد جميع المقاعد الشيعية ال27 ما عدا واحداً ذهب إلى مرشح مقرب من حركة أمل.

6- نجح أكثر من عشرين نائباً من طوائف مختلفة مؤيدين للثنائي الشيعي بحيث وصل مجموع الطرفين إلى 47 نائباً قادرين على تعطيل أي قرار يحتاج إلى ثلثي الأصوات داخل البرلمان المؤلف من 128 نائبا.

7- انقسم المسيحيون بين كتلة أولى هي التيار الوطني الحر وحلفاؤه تابعة أو مؤيدة لرئيس الجمهورية ميشال عون (حوالي 28 نائبا) وكتلة ثانية تابعة أو مؤيدة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» تقدر ب 16 نائباً، الأمر الذي يجعل من حزب «القوات اللبنانية» قوة وازنة بعدما كانت تتألف من تسعة نواب. وفي ظل نجاح طوني فرنجية وميشال المر وسامي الجميل فإن القاعدة المسيحية تبدو منقسمة عمودياً وأفقياً مع أرجحية تفوّق للتيار الوطني الحر.

8- في ظل التركيبة الطائفية في لبنان وفي ظل نجاح الزعامات التقليدية والقوية في طوائفها فإن توقعات اللبنانيين ليست كبيرة وإن كانوا يأملون حدوث تغيير حقيقي.