هنا الجزائر: حمزة بارباروس كذب عليكم! «إعلام حْرايْمي ما يِحْشِمْشْ» و«علي بابا هاكرز»!
لنتفق أولا، أن أقصر الطرق إلى فلسطين هي الجزائر، وأن هذا العالم الفضائي ليس أكثر من مجرة الكترونية يسيّرها «لوسيفر» بالريموت كنترول، من مخبئه السري في صندوق السرائر المظلمة، وأن العقل العربي (مدعبل) ككرة مفرغة من الهواء، أو كحجر طسطاس، لا يصلح سوى للزّهْزهة، إلا ما رحم ربي، طالما أن صحونه الطائرة تحدثه عن الأخلاق الحميدة مع القتلة، والضوابط القانونية للتعامل مع التكنولوجيا، وتحذره من تشويه صورة المسخ العربي أمام العالم الحر، في الوقت ذاته الذي تحوله إلى سُخرة فضائية، تلعب بوعيه وقيمه وتاريخه، وتمسح بكرامته أرض المجرة، غير آبهة بأحاسيسه ووعيه وحريته، لأنها تريده مُذَنّبًا مصابا بغيبوبة مرئية، لا يرى ..لا يسمع ..لا يتكلم!
في برنامج «هنا الجزائر» على قناة «الشروق» الجزائرية، ترى هذه المفارقة، مع الضيف سليمان شنين مدير تحرير جريدة الرائد، الذي اعتبر أن القرصان الألكتروني «حمزة بن لادج» سارق، وليس بطلا، لأن القضايا النبيلة – من وجهة نظره – لا تدار بالسطو على البنوك، ولا يمكن أن تبرر القضية الفلسطينية أو القضايا الوطنية الشريفة هذه الجريمة اللصوصية، في ظل صدور فتوى شرعية تحرم «فقه الاستحلال»، الذي يمثل ثقافة الإرهاب، التي تبيح سرقة العدو، وارتكاب جرائم الكترونية كبرى في سبيل دعم المقاومة، مشيرا بأسلوب حيادي وماكر، إلى الانجذاب العاطفي لنموذج جزائري عابر للقارات – حسب وصف المذيع – مطارد من أمريكا وإسرائيل، دون أن يشيد بالعربي الذي يتعاطف بطبيعته مع ابن جلدته ضد الأجنبي، ويجنح إلى الترويج للرمز لا محاكمته، ويا حبيبي، تعال تفرج على الضيف الثاني، كمال منصاري، الذي تلقف «بُقجة الإيتيكيت» المستوردة هذه، ليخبرك أن الجزائري على أتم الاستعداد لتجاوز المعايير القانونية والأخلاقية، ليحلل الحرام في سبيل البطولة الإعلامية لقرصان تحول في الوعي الشعبي إلى «مهيدي معاصر»، محتجا على هذا الخلط بين الخارق والسارق!
المشاهد يقرصن الصورة
مشكلة المشاهد الأجمل، أنه لم يعد يحتاج من إعلامه إلى أي معلومات حتى لو كانت صحيحة، لأنه يريد أن يُدَوّر الحقيقة، التي تتحول إلى نفاية الكترونية غير قابلة للاستهلاك، وهذه مهارة وطنية، تغفر لها حسن نواياها، وأنت تخاف على طَوِيّتها من الانجراف نحو الخديعة، ليس لإنقاذ الحقيقة، بل لتجميلها!
منصاري، يحدثك عن الأخبار الواردة من محامي بن لادج، المصدوم، لأن الأمريكان رفضوا عرض حمزة بالتعاون مقابل براءته! فهل يهمك الـ «كلاوجي» أو «المهذار» ما دمتَ أصلا لا تبحث عن الحقيقة، وتصر على الانحياز للبطولة!
«دير روحك مش شايف» أيها المشاهد، فأنت لن تقتنع سوى بشكوك الغزاة، لتتخذ ممن يتعاملون معه كمجرم، بطلا قوميا، وثائرا فضائيا، لم تستطع دولته احترام عقله وإمكانياته، ولم تقوَ على اختطافه، من عدوه، لتحاكمه بنفسها، فهل هذه هي العدالة التي يطلبها ضيفا برنامج «هنا الجزائر»؟
عدالتان لا يمكن أن تتحققا، ليس فقط لأن المواطن العربي رخيص في وطنه، وليس لأن المسؤولين أهم من المواطنين – حسب الضيفين – وليس لأن أمريكا ترفض محاكمة مجرميها خارج حدودها، بل لأن العبقرية من المحرمات الوطنية في بلاد يحكمها اللصوص والفاسدون، وقطاع الطرق والحرامية، ولا تطالب بالنبل، إلا حين يتعلق الأمر بعلي بابا في مغارة افتح يا سمسم الالكترونية!
لا لوم على المشاهد إذن حين يقوم بقرصنة مزدوجة، للصورة، فيحتفظ بالبطل، والبطولة، ويتخلى عن الحقيقة، والأخلاق، لأن الاختراق، لا يحتاج للنبل، ليقتص للشعوب المقهورة وهو يواجه أصحاب الدم الأزرق، وبطانة البلاط الفضائي المخترق ثقافيا، بضميره وعقله!
القراصنة النبلاء والإرهاب المعلوماتي
قذيفة مدفعية من الأسطول الأمريكي البحري هي التي قتلت أمير البحار، القرصان الجزائري: الريس حميدو بن علي، عام 1815، كما تعرض لك قناة «تلسكوب» الالكترونية، في برنامجها أشهر عشرة قراصنة في التاريخ»، فما أشبه اليوم بالبارحة! «وقتاش هاذو كانوا يحترمون حقك بالبطولة والافتداء، باش تطلب منهم أن يحترموا قراصنتك؟ وأنت أيها الإعلام، واش بيك، ترى درك الماريكان، وهم يحوسون في فضائك، ليعبثوا باعتباراتك الأمنية تحت ذرائع القيم والذي منّو»؟
هنالك أخلاق للحرب؟ طبعا، ولكن من يحددها؟ ومن يطبقها؟ ومن هم الجناة ومن القضاة في محاكم التفتيش الفضائية؟ ثم متى يمكن التنازل عن الأخلاق أو لنقل، ترويضها؟ عندما تتعامل مع غزاة سرقوا تاريخك وتراثك، وشوهوا عقلك وشهداءك، واستوطنوا أرضك ودنسوا ذاكرتك، وزيفوا سماءك؟ طيب ماذا عن خديعة الحرب؟ ماذا عن حرب المعلومات؟ ماذا عن مجرمي الحروب؟ ماذا عن قراصنة الوعي وأولاد الحرام في قنوات بني بهلول!؟ هل تعلم أن إسبانيا، توجت قرصانها «أمارو البغروس» بطلا قوميا، وضمته إلى فئة النبلاء عام 1725، كما يعرض لك برنامج أشهر عشرة قراصنة في التاريخ، لأنه خاض معارك دموية، وقرصنات عديدة، دفاعا عن التاج الإسباني، وحين مات، دفنته السلطات في كنيسة، تقديسا واحتراما لتمثاله! أما نحن فنطالب بقراصنتنا، لا لتكريمهم، بل لعقابهم، أي جهل أخلاقي هذا يا إلهي!
هَلُمَّ بالدربوكة والجواق أيها المشاهد، لأن حفلة الأخلاق هذه، نسيت أن علي بابا سرق الكنز، من أربعين لصا ومغارة، وليس من خزنة بيت المال! فما هو حكم سرقة السارق؟ اسألوا صاحب اللحية السوداء، الذي كان يجمع الذهب والماس، ليطعم الفقراء، ويصبح بطلا أسطوريا في سينما الأعداء، وقصص ما قبل النوم، وأحلام الأميرات في جزر النبلاء!
وداعا «بارباروس» في جمهورية القراصنة!
في مسلسل «حريم السلطان»، برز الدور البطولي لوالي الجزائر القرصان «خضر بن يعقوب» الباشا خير الدين بارباروس» أحد رموز الجهاد البحري، ذي اللحية الحمراء، كما يلقبه الأوروبيون، والذي عينه السلطان العثماني قائد الأسطول البحري، وفي برنامج «ذاكرة التاريخ» على «اليوتيوب»، يتم ذكر أثره في جمهورية القراصنة، والدور الإنساني العظيم الذي لعبه في إنقاذ المورسكيين من «محاكم التفتيش» في الأندلس بما يقارب «سبعين ألف مسلم»، وسبي إسبان لمبادلتهم بأسرى أندلسيين، مع التركيز على القيمة التاريخية لهذه الشخصية المسلمة في الوعي المنسي، ولكن ماذا عن صورته في الإعلام الغربي؟
عداك عن أنه إرهابي، فإن موقع «المصري اليوم لايت» – يخبرك عن الشخصية الهوليوودية في فيلم «قراصنة الكاريبي 2003» والتي يؤديها جوني ديب: «جاك سبارو»، فما هي في حقيقتها إلا شخصية القائد المسلم: خير الدين، التي تم تشويهها، واللعب بدلالاتها الثقافية والتاريخية والأخلاقية، وتجريدها من بعدها البطولي ورمزيتها الوطنية!
لم يتبق لك من كل هذا سوى تجميع الخيوط السرية في هذا النسيج الإعلامي الواهن، لتعثر على حبل الصرة بين الحكايتين: حمزة وخير الدين الجزائريين، في جنتين مفقودتين: «فلسطين» و«الأندلس»، فهل بعد كل هذا ستسأل أي الطرق تؤدي إلى الله!
ستحزن كثيرا بعد، أيها المشاهد، فجمهورية القراصنة لا تتسع لأبطالك، وحمزة كذب عليك، لأنه لم يبتسم في وجه الكاميرا، إنما تخفى بعمائها، لأنها لم ترَ دموعه، وهو يبكي على انهيار الأخلاق، وينشد ما أنشدته فيروز، ونازحو غرناطة على طريق الآلام، ولكن على الطريق الأندلسية : « تكشبيلة توليولها / ما قتلوني ما حياوني / داك الكاس اللي عطاوني / الحرامي ما يموتشي / جات خبارو في الكوتشي…. « … ولن أكتفي!
------------------
لينا أبو بكر
Mar 22, 2018




0 تعليق على موضوع : هنا الجزائر: حمزة بارباروس كذب عليكم! - بقلم : لينا أبو بكر
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات