هل الذين انتخبوا تلبية لفتوى المرجعية ونصرة للإسلام تنطبق عليهم مواصفات الجعل الإلهي كخلفاء على الأرض، أم أن هذا الموضوع لم يُبحث؟
قبل أن نبادر للبحث في اجابة "مقنعة" اعتقد بلزوم المرور الى الضفة الأخرى، الى عالم الغيب، والعبور يكون عبر النص، المقدس، وفي النص القرآني بيان لقصة جرت، والقصة عبارة عن حوار، تطور لجدال، فإحتجاج. جاء في سورة البقرة: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ." أنتخب الله من دون كل الكائنات التي خلقها الإنسان، آدم، إبن آدم، ليكون خليفته في الإرض، ورغم جدال الملائكة وإحتجاجهم على هذا الإنتخاب الإصطفائي إلا أن الله أصّر على تنفيذ قراره وعدم التنازل عما أنتخب من كائن دون سائر الكائنات، فصار الإنسان خليفة في الأرض بإنتخاب الله له. وبالمقابل خسر المتنافس إبليس ولكنه حظى بمقعد المعارضة، وجرى بعد ذلك ما جرى..
بعد كل تلك الألفيات من السنين، تطور واقع البشر وأحوالهم وطرق تفكيرهم، وبالتالي تطور مفهوم الحكم والإنتخاب، وصرنا اليوم ننتخب إنسان ليشغل مقعد برلماني أو كرسي رئاسي ليمثلنا ويدير مصالحنا في مؤسسة الدولة، وهذا يجري وفق ما يُسمى بالنظام الديموقراطي، والى العراق وفدت الديموقراطية محمّلة على ظهر السيد الأميركي، وجرى بعد ذلك ما جرى.
في العراق، وبعد قدوم الديمقراطية الإميركية، وبعد رفض أميركا وتقبّل ديمقراطيتها! رجع الملايين من أهل الدين الى ما قبل عالم الشهادة، وقلبوا الآية، وخاطبوا العالم البشري وعالم الملائكة، إذ قال العراقيون أننا نجعل في السماء إله، إسمه الله، وننتخب أولياء له في الأرض، ونصوّت لله وأولياءه، وجرى بعد ذلك ما جرى.
تم التصويت، وجرت الإنتخابات، وصوّت أغلب العراقيون لله وحكومته الأرضية، ولأن الله فوق، وأولياءه في عليين، تحول التخويل والحكم الى رجال الدين، ففاز رجل الدين بالمقعد العلوي ليدير البلاد والعباد، وأشرف على كتابة الدستور، ويرجع له السياسيين من حكام وبرلمانيين، وتنطلق بأمره جيوش جرارة أمتثالاً لفتوى الجهاد، وله مميزات ومناصب تفوق كل رجال السياسة والنظام، وقد جرى ما جرى.
رجل الدين مقدس، وهو يُمثل الإمام المعصوم المقدس، والإمام يُمثل الله المقدس، وأغلب العراقيين أنتخبوا هذه السلسلة لتحكم العراق، ولست أعلم، هل قصد الله العراقيين حين قال للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة، فوجب على العراقيين إنتخاب الله بعد إخبار الملائكة بقرارهم؟
هل وردّت لنا أميركا نوع من النظام الديمقراطي يرجع بأصوله الى ذلك النص التوراتي الذي ربما يرجع الى نص سابق عنه؟
نرجع الى السؤال: كيف ننتخب المقدس؟
أعتقد السؤال الأدق هو: هل يمكن أن ننتخب المقدس؟
لا يتعلق النظام الديموقراطي بشرط سماوي لاهوتي، فهو يجري في نطاق عالمنا الأرضي لأنه إبداع العقل الإنساني، والدولة التي نعيش في كنفها نتاج حديث، وللدولة أشكال حكم، منها الشكل الديمقراطي، والديمقراطية كالفلسفة خلقٌ إبداعي جاد به العقل البشري، أما ما تبنته الأديان من سلطة وملكوت أرضي يسير بمنهج السماء فلا أعتقد إنه يتوافق مع المنهج البشري أو هما لا يجتمعان تحت خيمة واحدة في وفاق وإتساق وتناغم وتفاهم، ولكن؛ لماذا تتبنى الحكومة التي ترفع عنوانا دينيا، نظاما غير ديني، ولماذا لا يوضح هذا التناقض، واميركا والعراق دولتان لم تنسلخا عن الدين ولم تتخذا العلمانية منهجاً للحكم وإدارة المجال العام، بل ما زالت أميركا والعراق تصدحان بشعارات ربانية وتتجهان حسب بوصلة اللاهوت.
دعنا من أميركا، فنحن نتحدث بالشأن المحلي، العراقي.
بالعودة الى سؤال المستهل، والسؤال الثاني الأدق، نرى أن سؤالاً لا بد من طرحه، وهو: هل الذين انتخبوا تلبية لفتوى المرجعية ونصرة للإسلام تنطبق عليهم مواصفات الجعل الإلهي كخلفاء على الأرض، أم أن هذا الموضوع لم يُبحث؟
من يُحدد أن قوم من الأقوام هم الذين تنطبق عليهم مواصفات الجعل الإلهي كخلفاء في الأرض، فإذا كان الخليفة هو الأعلى مرتبة في البشر فمن يفوقه ليحدده كمختار للخلافة؟ السؤال الأخير شائك ومعقد، أو هو عصي على أي إجابة، وليس لنا من تواصل مباشر نبوي أو ملائكي مع الله لنحكمّهُ بين الأقوام البشرية لنعرف أي الأمم خير أمة أخرجت للناس في عصرنا الراهن.
محمد ليلو كريم
كاتب عراقي
0 تعليق على موضوع : كيف ننتخب المقدس؟ - بقلم: محمد ليلو كريم
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات