شبكة الدانة نيوز -- المقالات  شبكة الدانة نيوز -- المقالات



random

آخر الأخبار

random

جاري التحميل ...

لا حياة بدون قوت القلوب! - حسين خيري




هناك أناس لا تحلو لهم الحياة بدون بذل العطاء والتضحية، ولا ترتقي الأمم إلا بتضحياتهم، ولا يبحثون عن الشهرة، وتبلغ قمة سعادتهم حين يقدمون عطاءهم في الخفاء، وبقاؤهم يبعث الأمل في باقي أفراد المجتمع ويثبتهم، خاصةً عندما يرون أن من يقفز إلى المقدمة لص لا يمتلك سوى مهارات النفاق، ويتصف بالبخل ويفتقر للحب.

وهنا نتذكر قوت القلوب الدمرداشية ابنة الشيخ عبدالرحيم باشا الدمرداش، التي عشقت أعمال الخير والخدمة العامة، ويمثل ذروة عطاؤها هي ووالدها في إقامة مستشفى الدمرداش ذاك الصرح الضخم العريق، وقد وصل حجم التبرع في عام 1928 إلى 100 ألف جنيه و15 ألف متر مربع؛ مساحة الأرض المخصصة للمستشفي.

واشترطت علي أن تخصص لعلاج جميع المرضى الفقراء بالمجان، ووصفتها جريدة التايمز اللندنية بأن هذه الهبة لم يسبق لها مثيل في مصر، واعتذرت قوت القلوب ووالدها عبدالرحيم باشا عن إقامة حفل لتكريمهما، كي يظل العمل خالصًا لوجه الله تعالى، ولم يتوقف عطاؤها عند هذا الحد فقامت بالتبرع بألف جنيه سنويًا لكلية طب عين شمس للإنفاق على الأبحاث العلمية، وفتحت مكتبتها الخاصة التي تضم ثمانية آلاف كتاب لطلاب الجامعة، كما كانت تنفق على بعض الطلاب لإتمام تعليمهم، وبجانب عشقها للخير كان لها إنتاج أدبي متميز كتبته باللغة الفرنسية، وظلت كاتبة مجهلة إلى أن ترجم بعضها كرواية "رمزة وزنوبة" إلى العربية، وكان بيتها مزارًا لكل المفكرين وأشاد الأديب الفرنسي أندريه موروا بأعمالها الأدبية، وخصصت جوائز للشباب المبدعين، وأوقفت جزءًا من أموالها كجائزة أدبية تحت إشراف المجمع اللغوي، وتقاسم الجائزة نجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير، نالها محفوظ عن رواية رادوبيس وباكثير عن رواية "وا إسلاماه"، ومع هذا التاريخ الحافل والمشرف من المساهمات لمصر يعاني قصر عائلتها الدمرداشية المجاور للمستشفى إهمالاً من هيئة الآثار، ويحيطه الباعة الجائلون ويغلقون بابه.

وكلما بحثنا في واقعنا وتاريخنا عن أبطال الفداء وأهل الخير نجدهم كثرة ونسعد بسيرتهم العطرة، والكلام عن اختفاء أمثال هؤلاء وعن ندرة وجودهم كلام غير حقيقي، فما زالت أمتنا تذخر بهم، وهم من سيدفعون بها إلى الصفوف الأولى، بيد أن تأكيد ذكر سيرة أبطال الماضي ضرورة ملحة لشحذ همم شرفاء الوطن.

ونسوق نموذجًا آخر عن عشق العطاء وعن شخص لم يعطه التاريخ حقه ولاقت سيرته قدرًا كبيرًا من التهميش، وهو المناضل الزاهد محمد فريد، والذي حمل قضية وطنه وقدم التضحيات حتى آخر رمق من حياته وإلى آخر قرش من جيبه، ويعد من الشخصيات المهمة التي أثرت في حياة المصريين وكان يؤمن بأن الطريق الأمثل لتحقيق هذه الأهداف تعليم الشعب أساسيات الحرية، فأنشأ مدارس ليلية في المناطق الشعبية، تقوم على تعليم الفقراء وكبار السن مجانًا، وعين فيها الأطباء والمحامين كمعلمين، وبعد نجاح هذه المدارس في أحياء القاهرة الفقيرة وسعها لتشمل الأقاليم، ومحمد فريد كان امتدادًا لكفاح مصطفى كامل، وأول من أسس نقابة للعمال في عام 1909، وجال العالم دفاعًا عن البلاد ومطالبةً بالاستقلال، وحكم عليه بالسجن، وظل يناضل برغم مطاردة الاحتلال الإنجليزي له.

وأخيرًا الكل يحتاج لمئات من "قوت القلوب"، وكذلك الأوطان في احتياج دائم لهم كي تستقر وتنهض، فكلنا نريد من يهتم بنا ويساعدنا، فالاهتمام بالآخرين يعني أسمى معاني العطاء، فالذي يهتم بأمور حياتك ويعطيك بدون مقابل هو أكثر الناس حبًا لك

كاتب الموضوع

شبكة الدانة الاعلامية

0 تعليق على موضوع : لا حياة بدون قوت القلوب! - حسين خيري

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhtNRmjx_UlCfdrZ46drcpO38rFltEv-Cic1BDDlTbrEu_jYvybafnAcAgh_xQvY9eA58T4vZPR2po6XgGqfsGzUP3MaOPekpsryhi2oh78x_lzyqOtZzTifUfUJYgNkUlu1Ku-A4epcUo/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25BA%25D9%2588+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25AF+%25D9%2582%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3+200+%25D9%2581%25D9%258A+250.gif





    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    فن تشكيلي

    فن تشكيلي
    لوحة مختارة من جاليري سفن تايمز

    مشاركة مميزة

    تأثير موجة الإرهابيين الأجانب على الأمن القومي المصري

    بقلم : د. إيمان رجب * مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون ...

    الفلسفة والفلاسفة

    ابحث في الموقع عن المواضيع المنشورة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    شبكة الدانة نيوز -- المقالات

    2017