ماجد الشيخ
يبدو أن كرة ثلج الثورة الخضراء في إيران، ليست قابلة للذوبان أو التوقف عند حاجز ما من حواجز العثرات التي يقيمها الاستبداد وديكتاتوريات العظمة الإمبراطورية، بل هي على الأرجح ستبقى تتدحرج حتى تصل إلى مبتغاها أو على الأقل إلى بعض أهدافها. ذلك أن المواطن الإيراني على اختلاف هوياته العرقية والطائفية قد كلّ ممارسات ومسلكيات نظام الملالي و«حرسهم الثوري» و«بازارهم» المتخم بأموال الخُمس والتجارة والتعاملات الربوية المدانة في شرع التقية الدينية، المباحة في شرع الهيمنة السلطوية لطبقات الملالي وأوليائهم من فقهاء ومرجعيات أباحوا لأنفسهم كل ما منعوه واعتبروه حراماً على الرعية في وقت فاض الكيل بهؤلاء الأخيرين، فلم يعودوا يتحملون ظلم سلطة لا تنحاز إلا لمصالح أربابها وأصحابها، ولمنطقهم في التبجح والاستعلاء الإمبراطوري.
لقد سأم نظام «الثورة» الديني شعوب إيران، ظلم الدين والدنيا، على أمل أن يستقر عدله يوماً، فيساوي بين المواطنين، كل المواطنين، ويمنحهم حقوقهم الطبيعية والإنسانية، فيما هو يسلبها منهم، وفي المقابل جعل من نفسه الأكثر تطلباً لواجبات دينية ودنيوية، لا مقابل لها في الغالب الأعم. فلا النظام السياسي سياسي بحق، ولا الديموقراطية حقيقية وفق أصول ما تبتغيه الديموقراطيات الحديثة، وما تضمره لبناء مجتمعاتها ودولها، لصيانة حقوق مواطنيها والحرص على مساواتهم من جهة، ومساواة المرأة في مجتمع يحترم حقوقها ويحرص على واجباتها، ويؤمن لها العيش الكريم ولا يضطهدها في البيت والعمل والشارع، ولا يلزمها السواد العميم في عيشتها وفي ملبسها وفي رؤاها وأفكارها ونظراتها إلى الكون والعالم من حولها، واعتبارها كائناً ضعيفاً وتابعاً، لا حول لها ولا قوة، كما حددت دورها ثيوقراطيات التدين وأعراف المجتمع الذكوري.
ومهما ادعت أجهزة إعلام النظام عن أسباب الهبة الجماهيرية المتصاعدة، وحالة السخط المتراكمة، واتساعها وامتدادها من مدينة مشهد إلى أكثر من أربعين مدينة، بما فيها العاصمة طهران، فإن مسبباتها ليست وقفاً على الوضع الاقتصادي وآخر موازنة أعلنها الرئيس حسن روحاني، بل هي في العمق سياسية بامتياز، ولا تختلف عن مسببات الثورة الخضراء، بموجاتها التي بدأت منذ 2009 وما قبله، وصولاً إلى الهبة الشعبية الراهنة بطابعها الثوري المشابه لثورات الربيع العربي، التي أجهضت بفعل انقلابات قوى إرهابية مضادة للثورة ومعادية لأهدافها وأهداف جماهيرها.
فمنذ اليوم الأول، لم تغب الشعارات السياسية عن حراك مدينة مشهد، وفي الأيام التالية بدأت تتضح المطالب الشعبية المعادية للنظام ولرموزه الأبرز، بغض النظر عن أي تدخلات خارجية، فالمسألة لا تتعلق بالخارج، بل بالداخل الذي اكتوت قواه على اختلاف أطيافها بالمزيد من سياسات الإفقار والنهب والفساد، في الوقت الذي كانت قد أدركت جماهير الشعب الإيراني أن النظام يبدد ثروات الشعب بحروبه الطائفية والمذهبية، وذلك دعماً وإسناداً لميليشيات لا وطنية، لا انتماء لها سوى لنظام يعلن على الملأ هويته المذهبية، توظيفاً لها في الدفاع عن نزعاته وطموحاته الإمبراطورية القوموية، ويقاتل في سورية دعماً لطموحاته الإقليمية في الهيمنة على عواصم بعينها، يراد لها أن تكمل هلاله المذهبي، ضمن لعبته النرجسية التي لن يستفيد منها في النهاية، سوى أرباب هذا النظام الثيوقراطي التوتاليتاري الإمبراطوري في تحولاته التي بدأها في أعقاب إسقاط نظام الشاه، وها هو اليوم يدخل في تحولات جديدة قد لا تسمح له بالاستمرار طويلاً، فمنطق الشعوب والثورات ليس رهين محبسي السلطة «الأبدية» والثورة المضادة، على العكس من الطريق الذي سلكته ثورة الشعب الإيراني وصولاً إلى سلبها ميزتها ومصادرتها والانقلاب عليها وجعلها الثورة المضادة بامتياز، منذ هيمن الملالي ونظامهم الثيوقراطي على الدولة وعلى الثورة في ما بعد.
* كاتب فلسطيني
يبدو أن كرة ثلج الثورة الخضراء في إيران، ليست قابلة للذوبان أو التوقف عند حاجز ما من حواجز العثرات التي يقيمها الاستبداد وديكتاتوريات العظمة الإمبراطورية، بل هي على الأرجح ستبقى تتدحرج حتى تصل إلى مبتغاها أو على الأقل إلى بعض أهدافها. ذلك أن المواطن الإيراني على اختلاف هوياته العرقية والطائفية قد كلّ ممارسات ومسلكيات نظام الملالي و«حرسهم الثوري» و«بازارهم» المتخم بأموال الخُمس والتجارة والتعاملات الربوية المدانة في شرع التقية الدينية، المباحة في شرع الهيمنة السلطوية لطبقات الملالي وأوليائهم من فقهاء ومرجعيات أباحوا لأنفسهم كل ما منعوه واعتبروه حراماً على الرعية في وقت فاض الكيل بهؤلاء الأخيرين، فلم يعودوا يتحملون ظلم سلطة لا تنحاز إلا لمصالح أربابها وأصحابها، ولمنطقهم في التبجح والاستعلاء الإمبراطوري.
لقد سأم نظام «الثورة» الديني شعوب إيران، ظلم الدين والدنيا، على أمل أن يستقر عدله يوماً، فيساوي بين المواطنين، كل المواطنين، ويمنحهم حقوقهم الطبيعية والإنسانية، فيما هو يسلبها منهم، وفي المقابل جعل من نفسه الأكثر تطلباً لواجبات دينية ودنيوية، لا مقابل لها في الغالب الأعم. فلا النظام السياسي سياسي بحق، ولا الديموقراطية حقيقية وفق أصول ما تبتغيه الديموقراطيات الحديثة، وما تضمره لبناء مجتمعاتها ودولها، لصيانة حقوق مواطنيها والحرص على مساواتهم من جهة، ومساواة المرأة في مجتمع يحترم حقوقها ويحرص على واجباتها، ويؤمن لها العيش الكريم ولا يضطهدها في البيت والعمل والشارع، ولا يلزمها السواد العميم في عيشتها وفي ملبسها وفي رؤاها وأفكارها ونظراتها إلى الكون والعالم من حولها، واعتبارها كائناً ضعيفاً وتابعاً، لا حول لها ولا قوة، كما حددت دورها ثيوقراطيات التدين وأعراف المجتمع الذكوري.
ومهما ادعت أجهزة إعلام النظام عن أسباب الهبة الجماهيرية المتصاعدة، وحالة السخط المتراكمة، واتساعها وامتدادها من مدينة مشهد إلى أكثر من أربعين مدينة، بما فيها العاصمة طهران، فإن مسبباتها ليست وقفاً على الوضع الاقتصادي وآخر موازنة أعلنها الرئيس حسن روحاني، بل هي في العمق سياسية بامتياز، ولا تختلف عن مسببات الثورة الخضراء، بموجاتها التي بدأت منذ 2009 وما قبله، وصولاً إلى الهبة الشعبية الراهنة بطابعها الثوري المشابه لثورات الربيع العربي، التي أجهضت بفعل انقلابات قوى إرهابية مضادة للثورة ومعادية لأهدافها وأهداف جماهيرها.
فمنذ اليوم الأول، لم تغب الشعارات السياسية عن حراك مدينة مشهد، وفي الأيام التالية بدأت تتضح المطالب الشعبية المعادية للنظام ولرموزه الأبرز، بغض النظر عن أي تدخلات خارجية، فالمسألة لا تتعلق بالخارج، بل بالداخل الذي اكتوت قواه على اختلاف أطيافها بالمزيد من سياسات الإفقار والنهب والفساد، في الوقت الذي كانت قد أدركت جماهير الشعب الإيراني أن النظام يبدد ثروات الشعب بحروبه الطائفية والمذهبية، وذلك دعماً وإسناداً لميليشيات لا وطنية، لا انتماء لها سوى لنظام يعلن على الملأ هويته المذهبية، توظيفاً لها في الدفاع عن نزعاته وطموحاته الإمبراطورية القوموية، ويقاتل في سورية دعماً لطموحاته الإقليمية في الهيمنة على عواصم بعينها، يراد لها أن تكمل هلاله المذهبي، ضمن لعبته النرجسية التي لن يستفيد منها في النهاية، سوى أرباب هذا النظام الثيوقراطي التوتاليتاري الإمبراطوري في تحولاته التي بدأها في أعقاب إسقاط نظام الشاه، وها هو اليوم يدخل في تحولات جديدة قد لا تسمح له بالاستمرار طويلاً، فمنطق الشعوب والثورات ليس رهين محبسي السلطة «الأبدية» والثورة المضادة، على العكس من الطريق الذي سلكته ثورة الشعب الإيراني وصولاً إلى سلبها ميزتها ومصادرتها والانقلاب عليها وجعلها الثورة المضادة بامتياز، منذ هيمن الملالي ونظامهم الثيوقراطي على الدولة وعلى الثورة في ما بعد.
* كاتب فلسطيني
0 تعليق على موضوع : ثورة الإيرانيين إذ تستعيد ألق تموجاتها - بقلم : ماجد الشيخ
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات