يسيطر المجنسون من أصول إيرانية على الكثير من مفاصل الحياة في قطر. -- يسيطر المجنسون من أصول إيرانية على الكثير من مفاصل الحياة في قطر.

سهى الجندي

دفعتني تجربة العمل المؤلمة في قطر إلى الكتابة عن سير الأعمال فيها. ففي هذه الدولة التي صبت المال على مواطنيها لدرجة الإفساد، يعاني العامل الوافد الأمرين من سوء المعاملة والتمييز في كل شيء. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن شعب قطر ليس متجانسا، فهو يتكون من غالبية مجنسة وأقلية من القبائل العربية الخالصة، والحق يقال أن بني القبائل العربية مختلفون كليا عن الفئة الأعجمية المجنسة، فهم في غاية النبل والأدب إلى درجة تبعث على الاستياء منهم لعدم التحرك لتصحيح مسار الأمور.

كنت أعمل في مؤسسة حكومية هامة مع عدد من النساء في قسم منفصل عن قسم الرجال، لذا فقد كانت الموظفات المجنسات القادمات من بلاد فارس، يشعرن بالأريحية التامة في كل شيء. وكن يخلعن العباءات عند وصولهن إلى القسم فتخرج المغنية الكولومبية شاكيرا من تحت العباءة. وكان الدوام وقت تسلية على الانترنت وقليلا جدا ما كن يشتغلن. أما بالنسبة لرواتبهن فهو أضعاف أضعاف الموظفين الوافدين. ونظرا لأصولهن الفارسية فقد كن يضعن صورة أحمدي نجاد على خلفية شاشات الكمبيوتر، وكان بطلهن المعلن، وأظن أن المسئولين كانوا يعلمون بذلك. وكان من بينهن سيدة مجنسة من بلاد فارس، أنجبت خمس مرات في ثماني سنوات (مدة عملي هناك) وكانت تأخذ إجازة مدفوعة الأجر لمدة عام، وعندما تداوم بعد انقضاء الإجازة كانت تأتي وهي على وشك الوضع مرة أخرى. وعندما تأتي، يتدفق المسئولون من كل فج عميق للسلام عليها. وكانت الآمرة الناهية، تعين من تشاء وتفصل من تشاء من الموظفات الوافدات. وفي الحقيقة أنني كنت استغرب سبب هذا النفوذ، إذ لم تكن تتميز بأي شيء حتى علمت أن أخاها يملك بنكا في الدوحة.

وحتى المسئولون من القبائل العربية، كانوا منقادين لهن، وأذكر أنني كنت أطالب بتسريع الإنترنت لكي أشتغل بسرعة أكبر ولم يستجب لي أحد من المسئولين. وذات اجتماع، اشتكت مواطنة وكانت أيضا مجنسة من بلاد فارس من بطء الكمبيوتر لأحد المسئولين القطريين وهو من العرب الخلص، فتم تسريع الانترنت في نفس اليوم، علما أن الموظفة التي اشتكت كانت تتسلى على الأنترنت، أما أنا فكنت أعمل طوال مدة الدوام وكنت بحاجة ماسة إلى الإنترنت. والغريب المضحك أن ذاك العربي كان عجوزا وعلى وشك التقاعد، وعلى العموم فإن السن ليس مؤشرا صادقا دائما على النضج والحكمة.

وكانت هناك سيدة ايرانية مجنسة ولغتها العربية ضعيفة وكانت زعيمة النساء بلا منازع لأنها فقيهة في الدين وإمام النساء في الصلاة، وكانت تصدر فتاوى للنساء في مشاكلهن الخاصة، فتأتيها الهدايا الثمينة بعد كل فتوى، وكانت تعمل كرئيسة لقسم تكنولوجيا الاتصالات وتراقب جميع الاتصالات، ويبدو أنها عينت لهذا الغرض.

كما كان هناك سيدة أعجمية مجنسة من أصل أفريقي، تتضايق جدا من الأجانب (يعني العرب) وكانت تؤذيني بشكل شبه يومي، حتى كاشفتها يوما إذا كان هناك ما يضايقها مني، فقالت، "تعلمين أن القطريين لا يحبون أن يدخل أجنبي في الحديث بينهم، لذا لا تشتركي في أي حديث بيننا واشتغلي وانت ساكتة". وفي الواقع أن تلك السيدة صرحت بذلك لأنها جريئة جدا، ولكنه بالفعل شعور عام، وكل التحسينات في وضع العمال الوافدين بدأ بعد فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022 أما قبل ذلك، فيكفي أن تعرفوا عدد الوفيات بين العمال الأجانب في قطر.

من جانب آخر، فإن جميع المواطنين المقربين من النظام كانوا لا يصغون إلى أية شكوى، وكان هناك رجل سوداني مقرب من مركز السلطة، يصرخ بالموظفين بوقاحة لا مثيل لها ولأسباب واهية ولا أحد يجرؤ على تنبيهه حتى من جانب كبار المسئولين.

أما لماذا كانوا يسيئون معاملة الوافدين، فإن تفسيره هو أن محدث النعمة الذي قرصه الجوع سابقا يصبح وحشا عندما يشبع، ولذلك فإن المجنسين هم الذين يسيئون معاملة الوافدين وخاصة الوافدين من العرب. أما أبناء القبائل العربية فهم في غاية الأدب، ولكن هذا ليس بالأمر الحميد دائما، فهم أهل نخوة ومروءة، ولا يقبلون بإساءة معاملة الوافدين، وعليهم واجب التدخل لتصويب الأمور وإلا فإنهم سيتهمون بـ "النذالة" ونحن نعيذهم من هذا الوصف ونسمو بهم إلى الحمية والنخوة وهي سمات طالما تغنى بها العرب في ثقافتهم وتراثهم الاجتماعي، وليس المال مكرمة من الدولة، بل هو حق لهم، ويجب ألا يتخاذلوا خوفا على رزقهم.

----------------------ميدل ايست أونلاينسهى الجندي