حديث الإضراب .. والغلابة! // بقلم : هـانى عسل;

طيب أنا طبقة وسطى ما هو ذنبى أن أتحمل وزر غيري؟! لماذا وأنا دافع للضرائب، وملتزم بكل ما على من واجبات تجاه الدولة أتحمل سداد 50 مليون جنيه فاتورة إضراب السادة الأفاضل عمال هذا المصنع أو ذاك؟!

لماذا الإضراب حق مشروع؟ ومن قال ذلك؟ ومن يتحمل هذا؟ وهل مصر لديها رفاهية ألمانيا وكندا وبريطانيا التى تجعلها تتحمل بين الحين والآخر فاتورة تقدر قيمتها بملايين الجنيهات بسبب إضرابات، مرة فى المحلة، ومرة فى شبين، ومرة فى المطار ومرة مش عارف فين؟

من الذى قال إن الإضراب «حق» من حقوق الإنسان؟ طيب وأين حقى أنا؟

ولماذا يقال دائما إن الإضراب حق دستوري، ونسكت؟ لماذا لا يجرؤ أحد منا أن يقرأ ديباجة الدستور التى نصت على أن جميع المصريين متساوون فى الحقوق والواجبات؟ لماذا لا نقرأ المادة 15 من الدستور حتى نهايتها، والتى تقول بالحرف الواحد إن «الإضراب السلمى حق ينظمه القانون»، تماما مثلما عليه الحال فى الحق فى التظاهر، الذى سمح به الدستور أيضا «وفقا لما ينظمه القانون»، وليس «على البحري»؟ لماذا نأخد من النصوص دائما ما يعجبنا، ونترك ما لا يعجبنا؟

ما معنى أن نضرب عن العمل خارج القانون؟ ولماذا يعتقد بعضنا أنه فوق القانون؟

لماذا نكذب على أنفسنا؟ ولماذا نخدع أنفسنا؟ لماذا نشارك فى صناعة الكسالى و«التنابلة» بأيدينا, ونزعم أننا بذلك ندافع عن حقوق الإنسان، وعن الغلابة؟

ألسنا مجتمعا رأسماليا منفتحا على الاستثمار؟ أى استثمار هذا الذى يمكن أن يأتى إلى بلد تنفق فيه الدولة «دمها الحي» على مصنع خاسر؟ ولماذا يعمل المستثمر فى هذا البلد؟

ثم إننى لا أفهم عن أى غلابة تتحدثون؟ عن موظف يتقاضى راتبا ولا يعمل؟ عن مصنع لا ينتج ولا يصدر ويتقاضى عماله رواتبهم من الدولة «تالت ومتلت»، ورغم الخسائر، يطالبون بالأرباح والعلاوات والحوافز؟ لماذا يتعين على الدولة تحمل فاتورة مصانع ومؤسسات خاسرة؟ وعشان حكاية «البعد الاجتماعي»، ألا يكفى أن تتحمل الدولة رواتب هؤلاء؟ والا لازم «بقلاوة» و«مهلبية»؟!

ولماذا يتعين على المواطن متوسط الحال أن يدفع دائما فاتورة موظف كسلان، أو مدير فاشل، أو مصنع خسران، أو حتى سوء إدارة الدولة لهذه المؤسسات وعدم الاهتمام بمحاسبة مسئوليها وتطوير العمل بها لتصبح ناجحة وتنافسية ومستقلة؟

لماذا، وإلى متي، يتحمل أبناء الطبقة الوسطى القيام بدور «الممول» و«الراعى الرسمي» لمواطن آخر يصفونه ظلما بمحدود الدخل، ويزعمون أن الدولة ملزمة بتسكينه وإعاشته وأكله وشربه وعلاجه، وكأننا فى سويسرا؟!

هل أنا الذى جعلته محدود الدخل؟ هل أنا الذى طلبت منه أن يفشل فى دراسته وفى حياته؟ هل أنا الذى نصحته بأن يجلس كل يوم على «القهوة» حتى الفجر ولا يستيقظ مبكرا للجرى على رزقه كما أمرنا الله، وكما فعل السوريون أمام أعيننا؟ هل أنا الذى أمرته بأن ينجب عشرة أبناء ليباهى بهم الأمم، وبعد ذلك يبحث لهم عن ملبس ومأكل؟

هل أنا الذى طلبت منه أن يلتهم خمسين رغيفا فى اليوم، ويملأ كرشه بالتموين المدعم، ثم يشكو من السكر والقلب والضغط؟ وبعد ذلك يطلب العلاج على نفقة الدولة؟ أليس الغنى والفقر من نواميس الكون، ومن سنن الله فى خلقه؟

وإذا كان للغنى حق على الفقير؟ ألا ندفع نحن أبناء الطبقة الوسطى الضرائب والجمارك وزكاة المال وزكاة الفطر والصدقات؟ هل قصر أى منا فى ذلك؟ ألا نعانى نحن أيضا من ارتفاع الأسعار، ربما أكثر من الغلبان نفسه إذا طبقنا قاعدة «النسبية»؟ ألا يعد متوسط الحال فقيرا قياسا بميسور الحال؟ هل اشتكى منا أحد؟ أو مد يده لأحد؟ أو أخذ ما ليس من حقه؟!

لماذا يتوجه مواطن الطبقة الوسطى إلى منفذ توزيع الخبز البلدى لشراء خمسة أرغفة خبز مثلا، وبسعرها الأصلى غير المدعم، فيفاجأ بالبائع يرفض البيع له، بحجة أنه «ما عندهوش بطاقة»، ثم يأتى «السيد» محدود الدخل «الغلبان» أبو بطاقة ليحمل معه من المنفذ نفسه تلاتين رغيف عيش ليستهلكهم فى يوم واحد، أو ليلقى نصفهم فى «القمامة»، أو ليبيعهم للمطاعم أو «علفا» لتاجر دواجن؟ هل هذا عدل؟ هل هذه مساواة؟ هل هذا هو مفهومنا للعدالة الاجتماعية؟

من يمكن أن يجيب الطبقة الوسطى على هذه الأسئلة؟